للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيفية حساب المؤمنين والكفار يوم القيامة]

قال: [ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه، كما وصف ذلك في الكتاب والسنة، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته؛ فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم وتحصى، فيوقفون عليها ويقررون بها].

والحساب ينقسم إلى قسمين: حساب المسلمين، ولفظ المسلمين يشمل المؤمنين الصادقين، ويشمل أيضاً الفساق ممن لم يرتفع عنهم اسم الإسلام، وحساب الكفار.

فأما حساب المسلمين فإنه نقاش وليس فيه محاسبة، وإنما يأذن الله لكل عبد مسلم ويقرره بذنوبه ويقول: هل تعرف ذنب يوم كذا؟ وذنب كذا يوم كذا وكذا؟ ثم يعفو عنه الله عز وجل ويدخله الجنة، ولا ينجو ويخرج من هذا الحساب إلا السبعون ألفاً الذين في حديث ابن عباس، وفيه: (مع كل ألف)، وفي رواية: (مع كل واحد سبعون ألفاً)، هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ولا عذاب.

وأما حساب الكفار فليس حساب نقاش، وإنما هو بيان لأعمالهم، وليس وزناً لهم، ولا تعداداً للحسنات وللسيئات؛ لأنهم لا حسنات لهم، بل أعمالهم باطلة، كما قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:١٨] فهم ليست لهم أعمال صالحة، ولكن حسابهم تقرير لأعمالهم ولذنوبهم حتى يعلموا، ومن أنكر منهم شهد عليه بدنه، ثم يساقون إلى جهنم وبئس المصير.

ومسألة الفرق بين حساب المسلمين وبين حساب الكفار اختلف فيها العلماء، هل الكفار يحاسبون أم لا؟ فبعضهم نفى الحساب بإطلاق، وبعضهم أثبته بإطلاق.

فمن نفاه بإطلاق فقد أخطأ، كما أخطأ من أثبته بإطلاق، وكلام ابن تيمية رحمه الله هنا كلام دقيق محرر.

قال المؤلف رحمه الله: [وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته].

لأنهم ليس لهم حسنات حتى توزن حسناتهم وسيئاتهم، وإنما هذا الحساب للمسلمين؛ لأن لهم حسنات.

قال: [فإنه لا حسنات لهم].

يعني: الكفار.

قال: [ولكن تعد أعمالهم وتحصى، فيوقفون عليها].

وعد أعمالهم السيئة وإيقافهم عليها سماه بعض أهل العلم: حساباً، وسماه البعض الآخر: غير حساب، والحقيقة: أن من جعل معنى الحساب: تعداد الأعمال فقط، فإنه قال: إن الكفار يحاسبون، ومن جعل الحساب: الموازنة بين الحسنات والسيئات قال: الكفار لا يحاسبون.

<<  <  ج: ص:  >  >>