للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[منشأ ضلال الجبرية والقدرية في خلق الشرور]

وهذه هي القضية التي جهلتها بعض الفرق، فالبعض عندما أزعجتهم وضاقت صدورهم بسبب وجود الكفر والمعاصي والآفات والأمور غير المرغوبة قالوا: كيف يخلقها الله عز وجل؟! وإذا خلقها وهو مقر لها فمعنى هذا: أن فعلها ليس فيه شيء.

وقال آخرون: إن هذه الأمور ليست من خلق الله حتى يخرجوا من القضية؛ لأنهم لم يفهموا الحكمة من وجودها، قال غلاة الجبرية -وهم ابن عربي الطائي الصوفي المشهور ومن سار معه على عقيدته-: إن هذه المخلوقات هي من أفعال الله والله مقر لها.

فلو أن الإنسان فعل الكفر أو المعاصي فليس عليه شيء؛ لأنها من مخلوقات الله، فنسبوها لله واحتجوا بالقدر، وجاءت هذه الطائفة الأخرى تعظم الله عز وجل فنفت القدر وقالت: هذه ليست من مخلوقات الله أبداً، وإنما من مخلوقات العباد، فأشركت في الربوبية؛ لأنه ليس هناك خالق إلا الله عز وجل.

والحقيقة هي: أن هذه من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، والله خلقها ونهى عنها.

فإن قيل: كيف يخلقها وينهى عنها؟ قلنا: خلقها للحكمة وهي الابتلاء؛ ليبتلي بها العباد.

فقد خلقها الله عز وجل ونهى العباد عنها، فمن ترك نهي الله عز وجل وفعل هذه المحرمات فإنه يعاقب؛ لمخالفته لنهي الله سبحانه وتعالى، وخلق الطاعات وأمر بها، فمن ترك ما أمر الله عز وجل به عوقب.

فالحكمة من وجود هذه الأشياء المتضادة في الكون هو الابتلاء.

وهذه قضية واضحة في القرآن الكريم، فإن الله عز وجل يعلل لخلق الإنسان بالابتلاء، كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:٢].

وقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١٥].

فكل هذه المخلوقات خلقها الله عز وجل للابتلاء والاختبار، فالعبد ليس مهملاً في هذه الدنيا وإنما مختبر.

وقد جاءت أحاديث كثيرة جداً عن النبي صلى الله عليه وسلم تقرر أن هذه الدار دار ابتلاء، وأن الآخرة دار جزاء، ولأجل هذا لو أطاع الإنسان الله عز وجل في الآخرة فلا تنفعه الطاعة؛ لأن دار الابتلاء انتهت بالموت أو بالقيامة الكبرى التي تزيل معالم الدنيا بأكملها.

<<  <  ج: ص:  >  >>