للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي]

ولهذا من يحتج بالقدر فحجته أفسد حجة.

مثل العاصي الذي يقول: إن الله كتب علي ألا أصلي، فإذا سألناه: وكيف علمت أن الله كتب عليك ألا تصلي؟ فهل أطلعك على الغيب، أو جاءك ملك من الملائكة وأخذك من الأرض وصعد بك إلى السماء فدخلتها ورأيت اللوح المحفوظ مكتوباً فيه: إنك لا تصلي؟ فهذا كذب.

وإنما أنت الذي تركت الصلاة برغبتك.

وهو سبحانه لم يكتب أنك ستترك الصلاة بعد أن انتهيت من تركها، وإنما كتبها قبل أن تتركها؛ لأنه علم أنك ستتركها فكتبها سبحانه وتعالى.

فهل تركك للصلاة أجبرك الله عليه؟ كلا، لم يجبرك عليه، وإنما كتب ذلك لأنه علم أنك ستتركها.

يتلخص من هذا: أن مدار موضوع القدر هو الإيمان بالعلم، فعندما يؤمن الإنسان أن الله عز وجل يعلم مستقبل الأمور وما سيختاره العبد فحينئذ تزول هذه الشبهة منه.

ونضرب لذلك بمثال محسوس: إذا كان عندنا كتاب فبإمكاننا أن نفتحه أو نتركه مغلقاً؛ لأننا مختارون، ولسنا ملزمين بشيء معين.

وبعد لحظات لا أحد يعلم هل سنفتحه أم لا، ولكن الله يعلم ذلك.

فإذا لم نفتحه، وقبل أن نتكلم بهذا كان الله قد كتب سبحانه وتعالى: أننا سنقول: هل سنفتح الكتاب أو لا؟ ثم سنختار عدم فتحه ولم يجبرنا أحد على ذلك، وإنما كتبه الله؛ لأنه عليم بما سنفعل، وعلمه واسع شامل.

فبهذه الصورة نفهم هذا الموضوع، وحينئذ فلن يحتج علينا المحتج بأنه مجبور على فعله، بل هو مختار كما بينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>