للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث عبد الله بن مسعود في مراحل الخلق وكتابة الملك]

الحديث الأول أحاديث القدر هو: حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربعة: برزقه وأجله وشقي أو سعيد.

فو الله إن أحدكم - أو الرجل - يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

والمسائل المتعلقة بالقدر في هذا الحديث هي: أولاً: إثبات الكتابة العمرية التي في صحف الملائكة.

فالملائكة تكتب ما قدره الله عز وجل على العبد في عمره، ثم تتابع هذه الأقدار؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلق هؤلاء الملائكة يتابعون تنفيذ أقداره سبحانه وتعالى في العباد.

والمسألة الثانية هي: مسألة سبق الكتاب.

ومعنى سبق الكتاب: أن العبد يعمل في بداية عمره بعمل أهل الجنة أو أهل النار ثم في آخر عمره يختار غير ما بدأه في بداية عمره.

فمثلاً: في بداية عمره يكون الظاهر أنه سيكون من أهل الجنة، ولكن الله عز وجل علم أنه في آخر عمره سيختار مثلاً طريق أهل النار فكتبه عليه، فعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (يسبق عليه الكتاب).

ولهذا يقول شراح الحديث -مثل الحافظ ابن حجر رحمه الله-: هذا الحديث يدل على التحذير من سوء الخاتمة.

وبعض العلماء يوجه قوله: (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، توجيهاً آخر فيقول: إنه ورد في بعض الروايات أنه قال: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس)، ففهم بعض أهل العلم من قوله: (فيما يبدو للناس)، يعني: أن هذا الرجل الذي تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو المنافق الذي يظهر غير ما يبطن ثم ينكشف في آخر أمره ويموت على الكفر.

وهذا التوجيه ذكره الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم في شرحه لهذا الحديث، إلا أن التوجيه الأول أقوى؛ لأن قوله: (فيما يبدو للناس)، لا يعارض التوجيه الأول؛ لأنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس أنه سيموت عليه، ولكنه سيختار في آخر عمره عمل أهل النار، وهذا ما كتبه الله بحسب علمه الشامل، فيختار طريق أهل النار فيموت عليها.

ولهذا يعتبرون هذا الحديث من أحاديث الوعيد في سوء الخاتمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>