للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قول السلف: (الإيمان قول وعمل)]

ومعنى قول السلف: الإيمان قول وعمل، يعني: أن الإيمان مشتمل على هذه الحقيقة المركبة من القول والعمل، والقول يراد به: قول اللسان وقول القلب.

فأما قول القلب: فهو تصديقه بما أخبر الله به، وبما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأما قول اللسان: فهو يشمل قول لا إله إلا الله، والذكر، وقراءة القرآن، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، إلى آخر تلك العبادات المتعلقة باللسان.

وأما العمل: فإنه يشمل عمل القلب، وعمل الجوارح: فأما عمل القلب فهو خشية الله، محبة الله، الخوف من الله، التوكل على الله، الإنابة، التوحيد، الإخلاص، المراقبة، اليقين، القبول، الرضا، وهكذا سائر الأعمال القلبية التي تكون في القلب، فهذه تسمى: أعمال القلب.

وأما عمل الجوارح فهو يشمل الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وهكذا سائر الأعمال التي تكون بالبدن.

إذاً: هذه هي حقيقة الإيمان، مركبة من القول والعمل، والقول يشمل قول القلب وقول اللسان، والعمل يشمل عمل القلب وعمل اللسان.

وإذا أردنا أن نقسم حقيقة الإيمان على الجوارح نجد أنها اشتملت على ثلاثة جوارح: على جارحة اللسان: قول اللسان.

وعلى جارحة القلب: قول القلب وعمل القلب.

وعلى بقية الجوارح عموماً.

ولهذا عبر بعض السلف الصالح رضوان الله عليهم عن حقيقة الإيمان وعن تعريف الإيمان بأنه: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان.

وعبر بعضهم فقال: هو قول وعمل ونية.

وقال بعضهم: هو قول وعمل ونية واتباع للسنة.

والحقيقة أن هذه العبارات ليست مختلفة اختلاف تضاد، وإنما هو اختلاف تنوع، وهو مثل إخبار الصادقين عن حادثة معينة رأوها جميعاً، هذا يعبر بتعبير، وذاك يعتبر بتعبير آخر، والثالث يعبر بتعبير ثالث، لكنها جميعاً تتفق في المعنى.

إذاً: الإيمان حقيقة مركبة تشمل الدين كله، وتشمل الإسلام كله، وتشمل العبودية لله كلها، فلا يخرج من الدين شيء ليس من الإيمان، فكل ما شرعه الله سبحانه وتعالى مما يتعلق بالعبادات القولية أو القلبية أو التي تتعلق بالجوارح من الإيمان، ولهذا لما أراد السلف أن يعبروا عن الدين كله عبروا بأنشطة الإنسان، وهي متكونة من القول والعمل، فقالوا: قول وعمل.

وأصح وأدق تعريف من تعاريف السلف هو قولهم: الإيمان قول وعمل، وتفصيله على النحو السابق.

وقد يقول قائل: لماذا قالوا: قول وعمل ونية؟ ولماذا قالوا: قول وعمل ونية واتباع للسنة؟ نقول: الذين قالوا: إن الإيمان هو قول وعمل ونية؛ خشوا ألا يفهم من قولهم: (عمل) عمل القلب، ومن قولهم: (قول) قول القلب؛ لأن الذهن قد ينصرف عند سماع (قول) إلى اللسان، وعندما يقال (عمل) ينصرف لعمل الجوارح، فأرادوا التأكيد على عمل القلب، فقالوا: ونية، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية؛ فإن الأعمال إذا كانت على غير السنة فإنها لا تكون من الإيمان، أرأيتم البدع التي يبتدعها الناس هل هي من الإيمان؟ لا، ليست من الإيمان، مثل: الطواف حول القبور، والذبح لها، والذكر الجماعي، والاحتفالات البدعية، والأعياد المبتدعة ونحو ذلك، كل هذه الأعمال ليست من الإيمان في شيء، وليست من حقيقة الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>