للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة الخوارج في الإيمان وخطرها]

الخوارج يعرفون الإيمان كما يعرفه أهل السنة، ويقولون: الإيمان قول وعمل، لكنهم يرون أن ترك جزء من العمل أياً كان نوع هذا الجزء يخرج الإنسان من الإسلام، فلو أنه ارتكب كبيرة من الكبائر كفر عندهم، ولو أنه ترك واجباً من الواجبات وتكون كبيرة في حقه يكفر أيضاً، وهذا ما خالفهم فيه السلف، فإن الكبائر لا يكفر أصحابها عندهم.

ومن الأدلة على أن الكبائر لا يكفر صاحبها: قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، فهذه الآية يبين الله عز وجل فيها أن ما دون الشرك فهو قد يغفر لصاحبه، لكن الشرك لا يغفر، ولا يمكن أن تصنف الكبائر ضمن الشرك؛ لأنها ليست شركاً، والدليل على أنها ليست شركاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عد أكبر الكبائر فصل الشرك عن الزنا والخمر وغيرها من الذنوب الأخرى، ومن المعلوم أن الكبائر ليس فيها شيء من الشرك، هذا الدليل الأول.

الدليل الثاني: أحاديث الشفاعة، وقد نقل ابن الوزير اليماني رحمه الله في كتابه: إيثار الحق على الخلق: أن أحاديث الشفاعة التي فيها أن أصحاب الكبائر لا يخلدون متواترة، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان) فمن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان -وهو عمل القلب-، وقال: لا إله إلا الله، يخرج من النار.

فإن قيل: أين عمل الجوارح؟ قلنا: عمل الجوارح أخذناه من التلازم بين إيمان القلب وعمل الجوارح، فإن قوله: (مثقال ذرة من الإيمان) يدل على وجوب أن يكون له مقتضى وثمرة، وهي العمل، ولهذا ورد في أحاديث الشفاعة: أن الجهنميين من أهل الصلاة (يعرفون بمواطن السجود)، وهذا يدل على أنهم كانوا يصلون، فإذا كانوا يصلون فلابد أنهم قرءوا القرآن؛ لأن الفاتحة من القرآن وهم يصلون بها، وحينئذ يكون قد حصل لديهم مجموعة من أعمال الجوارح كانوا بها من المسلمين، ولو لم يوجد عندهم قول اللسان، لم يكونوا مسلمين، ولو لم يوجد عندهم عمل القلب، لم يكونوا مسلمين، ولو لم يوجد عندهم عمل الجوارح فإنهم لا يكونون مسلمين أيضاً.

وأحاديث الشفاعة تدل على بطلان معتقد الخوارج؛ لأن الخوارج يعتقدون أن الزاني والسارق وشارب الخمر مخلد في النار، وهذا باطل؛ لأن أهل الكبائر يخرجون من النار، ولو كانوا كفاراً لما خرجوا؛ لأن الجنة محرمة على الكفار، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتاني جبريل وبشرني أن من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق)، وهذا يدل على أن أصحاب الكبائر يعذبون على قدر ذنوبهم، ثم يعودون إلى الجنة بعد ذلك؛ لأنهم لم يشركوا بالله شيئاً.

والحقيقة: أن خطر الخوارج كبير، فقد تجد إنساناً يتحرج من الصلاة خلف المسلمين، ويقول: لعل هذا الإمام غير مسلم، مع أن الأصل في الناس: السلامة، فتصلي خلف المسلمين ما دام لم يظهر منهم الكفر، وبعضهم يرى أن المحكومين بغير ما أنزل الله كلهم كفار، وهذا لاشك أنه ضلال مبين والعياذ بالله؛ لأن المحكومين بغير الشريعة أصناف: منهم: من رضي وتابع على علم، فهذا كافر.

ومنهم: من لم يرض ولم يتابع، فهذا ليس بكافر، والبلدان الإسلامية حكمت بغير ما أنزل الله مع أن فيها علماء وصالحين وأتقياء، لكن ليس لهم حول ولا قوة، بل إن الصحابة عندما كانوا في مكة حكموا بغير ما أنزل الله، ولم يكفرهم أحد.

وبعضهم يقول: لابد أن يبين البراءة من الحاكم بغير ما أنزل الله، فيقال: إن التبيين ليس شرطاً في الإيمان حتى ترتب عليه الكفر؛ لأن التبيين قد يراه شخص ولا يراه آخر، وحينئذ قد يكفره من لم يسمع التبيين، وهؤلاء ليس لهم ولاية على المسلمين حتى يقولوا: هذا تبين منه أنه يكفر بالطاغوت، وهذا لم يتبين منه، ولهذا وجد من هؤلاء الجهال من كفر أهل العلم والصالحين والأخيار من الناس؛ لأنهم ليسوا على طريقته، وليسوا على منهجه، ولهذا يجب الحذر من مثل هذه الأفكار الضالة، والخوارج منطلقهم الأول هو الخوض في الحكم بغير ما أنزل الله، ثم يبدءون في تكفير الناس بدون بينة ولا علم.

والواجب: هو أن يتعلم الإنسان العلم النافع حتى يكون على بصيرة، وحتى يعرف الكافر الحقيقي من المؤمن الحقيقي، وبهذا يكون على بينة وبصيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>