للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اعتقاد أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة]

يقول: [ويمسكون عما شجر بين الصحابة].

الخلاف الذي وقع بين الصحابة عندما اقتتلوا بعد عثمان بن عفان رضي الله عنه خلاف اجتهادي، فبعد قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه انقسم الناس إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى: هم طائفة الخلافة، وهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه، وهؤلاء قالوا: ننتظر حتى يهدأ الناس ثم نتتبع قتلة عثمان ونقتلهم جميعاً.

والطائفة الثانية: هم أهل الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ومن معه، وهؤلاء قالوا: لا بد من قتل هؤلاء الذين قتلوا عثمان الآن.

والطائفة الثالثة: هم الذين أمسكوا عن الفتنة.

والممسكون عن الفتنة أنواع: فبعضهم: أمسك عن الفتنة وهم عامة الصحابة كـ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وغيره من الصحابة؛ لأنهم يحفظون أخباراً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستقع فتنة، وأن الممسك عنها هو صاحب الحق.

وبعضهم: أمسك لأنه لم يعرف وجه الحق في المسألة، كأهل الثغور الذين كانوا على الحدود والمشاركين في الجهاد في سبيل الله.

وبعضهم: أمسك لأنه لم يعرف الحق لكنه وقع في بدعة، وهي قوله: إن الطائفتين مخطئتان.

والصحيح في هذه المسألة هو: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً أهل خير وصدق، والفتنة التي وقعت عندهم وقعت باجتهاد، والاجتهاد يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر).

ونحن نعتقد أن المصيب في هذه الفتنة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن أهل الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنه ومن معهم أخطئوا في هذه الفتنة، لكن ما عندهم من الفضل والخير والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن الصحبة تمسح هذا الخطأ إن لم يكونوا مأجورين فيه؛ لأن المجتهد إذا كان مصيباً فله أجران، وإذا كان مخطئاً فله أجر، فهو ليس بآثم أصلاً.

ولو فرضنا أن بعضهم وقع في الإثم؛ فإن ما وقعوا فيه من الإثم أقل بكثير جداً من فضائلهم وحسناتهم، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤].

يعني: لو فرضنا أنهم وقعوا في خطأ وزلة فإن الحسنات تذهب هذه السيئة، والصحابة ليسوا بمعصومين من الخطأ، وقد يقع بعضهم في الكبائر، وقد وقع بعضهم في الزنا، لكن ما عندهم من فضل الصحبة والجهاد والصدق ونصرة الدين وإقامته ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لا يقف معه خطأ أبداً.

والميزان الحقيقي الصحيح هو: أن الصحبة لا يقف دونها خطأ، والواجب فيما شجر بين الصحابة: الإمساك وترك الخوض فيه، وخصوصاً العامة ومن لا علم عنده، لا سيما وقد روي في هذه الأحداث كثير من الأخبار الموضوعة والمكذوبة والتي هي من الكذب المحض، ولهذا استغل المستشرقون وأذنابهم من المستغربين هذه الحادثة استغلالاً بشعاً؛ فإنهم اعتمدوا في كثير من أخبار في هذه الفتنة على روايات وضعتها الشيعة، وعلى أخبار موضوعة ومكذوبة، وأصبحوا يتحدثون عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة كأنها قضية سياسية معاصرة، فتجد مثلاً بعض المستشرقين يتحدث عن الفتنة فيقول: انقسم الصحابة إلى ثلاثة أحزاب: الحزب الأول: حزب المحافظين.

الحزب الثاني: حزب اليسار.

الحزب الثالث: حزب المتوقفين عن الموضوع.

وتقدم حزب اليمين خطوتين وتراجع حزب كذا، وهكذا يتعامل مع المسألة كأنه يتعامل مع حدث سياسي في الديمقراطية الأمريكية، وجهل أن الصحابة رضوان الله عليهم الدين تربوا على يد الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرفوا الخبث، ولا الغدر، ولا الخيانة، وإذا وقع عند بعضهم خطأ؛ فإنه يقع باجتهاد وبنصح لله ولرسوله وللمسلمين.

ولهذا أقول: تعامل هؤلاء مع هذه الحادثة ومع غيرها من الحوادث كحادثة خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عامل قبيح جداً، فإنهم صوروهم على أنهم أحزاب سياسية، وأنهم يسعون للوصول إلى الحكم، وأن كل طائفة من هذه الطوائف تراوغ وتحاول، ثم اجتهدوا في البحث في كتب التاريخ -خصوصاً الموضوعات التي كان يضعها الشيعة- واستخدموها استخداماً قبيحاً جداً في تشويه صورة الصحابة رضوان الله عليهم.

وهكذا من يعتمد في دراساته ومؤلفاته على المستشرقين يقع في نفس الخطأ، مثل الدكتور علي سامي النشار وغيره من الأساتذة الذين كتبوا في هذه الأحداث وقعوا في الخطأ، لأنهم يعتمدون على المستشرقين، والمستشرقون يعتمدون على روايات الشيعة في هذه المسألة، وقد صنف الشيعة في الجمل وصفين كتباً كثيرة جداً.

ومن المصنفين ورواة الشيعة المشاهير: أبو مخنف وهو لوط بن يحيى، وقد قال عنه بعض السلف: إن الواقدي -وهو من رواة السير ومتروك في الحديث- خير من ملء الأرض من مثل أبي مخنف، لأن أبا مخنف وضاع كذاب شيعي

<<  <  ج: ص:  >  >>