للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة الصمدية]

فيل في معنى الصمد قولان مشهوران لأهل العلم كلاهما صحيح: المعنى الأول: أن الصمد هو الذي لا جوف له: وقد تنوعت تعبيرات السلف الصالح رضوان الله عليهم عن هذا المعنى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الصمد المصمت الذي لا جوف له، وقال ابن مسعود: هو الذي ليست له أحشاء، يعني: ليست له أمعاء، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال محمد بن كعب القرظي وعكرمة تلميذ ابن عباس: هو الذي لا يخرج منه شيء، وقال ميسرة: الصمد المصمت، وأكثر السلف الصالح رضوان الله عليهم فسروا الصمد بهذا المعنى، فيصبح معناه: أنه الغني الذي لا يحتاج إلى شيء أبداً، ولهذا قال بعضهم: هو الذي ليست له أحشاء، فهو ليس بحاجة إلى طعام، حتى تكون له أحشاء يهضمها فيه، وبعضهم قال: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، فهو ليس بحاجة إلى الأكل والشرب، فإن الإنسان الموجود في الدنيا بحاجة إلى الأكل والشرب، فلا تقوم حياته إلا على الأكل والشرب، أما الله عز وجل فإنه غني، فالمعنى: أن الله عز وجل غني غنى مطلقاً، فهو ليس بحاجة إلى شيء أبداً، والمخلوق لا يقوم كيانه إلا بأشياء كثيرة منها الأكل والشرب والحاجة إليها.

وهذا الاسم المتضمن لصفة الصمدية أصل في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الحاجة والافتقار، كما أن هذا الاسم يدل على القوة، وهذا التفسير لهذا الاسم مأخوذ من لغة العرب، فإن العرب تقول: الصمد للمصمت، يقول الجوهري رحمه الله تعالى: المصمد بالدال لغة في المصمت، وهو الذي لا جوف له، فالعرب تقصف الشجاع بأنه صمد، يعني: لا يخاف وليس أجوف القلب؛ لأن الذي يخاف قلبه أجوف فارغ، ولهذا لما ذكر الله عز وجل قصة أم موسى ذكر أن جوفها كان فارغاً إن كادت لتبدي به، فجاء التعبير بقوله: فارغاً، لأن القلب إذا لم يكن قوياً متماسكاً مجتمعاً بعضه إلى بعض؛ فإنه يكون ضعيفاً هشاً رقيقاً.

ويقول الجوهري: والصماد غفاص القارورة، والغفاص هو الجلد الذي يوضع على القارورة ويشد عليه بحبل بحيث يغطيها.

وقال: الصمد يطلق على المكان الرفيع الغليظ المجتمع، فالصمد في صفة الله عز وجل معناه: الذي لا حاجة له إلى الطعام والشراب وهو الغني سبحانه وتعالى.

والمعنى الثاني -وهو قول بعض السلف-: أن الصمد هو السيد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، وكذلك تنوعت عبارات السلف في هذا القول، فمثلاً نجد ابن عباس يقول: الصمد هو الذي تصمد إليه الأشياء إذا نزل بها كربة وبلاء، ويقول السدي رحمه الله: هو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب، والمعنى: أن الصمد هو الذي تحتاجه الخلائق، فهو سبحانه وتعالى الغني الذي لا يحتاج، والخلائق محتاجة إليه.

وهذان المعنيان كلاهما صواب، وكلاهما تفسير للصفة بمعناها، وبما تدل عليه، فإن الجميع يدل على الجمع والقوة والغنى، فالسيد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، والسيد اشتقاقه الأكبر السد والسداد والسؤدد والسواد، وكلاها بمعنى الجمع والقوة؛ لأن السيد لا يكون سيداً إلا إذا كان قوي القلب، مجتمع النفس، حينئذ يكون سيداً ينفع الآخرين، فالناس لا تقصد في حوائجها إلا قوي القلب الشجاع الذي يستطيع أن يعطي الناس حوائجهم، وكذلك المصمت الذي لا جوف له؛ فإن فيه معنى القوة؛ لأن الشيء كلما اجتمع بعضه إلى بعض كان قوياً، ولهذا سمي المكان المرتفع الغليظ صمداً لقوته وتماسكه.

ومن هنا ندرك أن معنى الصمد هو: القوي الذي لا يحتاج إلى الأكل أو الشرب، ولا يحتاج إلى أي شيء من الأشياء، فهو الغني سبحانه وتعالى، وسيأتي الحديث عن الغنى -بإذن الله تعالى- بشكل مفصل عند اسم الله عز وجل الغني.

ولصفة الغنى والقوة آثار تربوية عظيمة منها: توحيد الدعاء، بحيث يدعو الإنسان الله عز وجل، فهو الغني المالك لكل شيء سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>