للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة الحياة]

صفة الحياة مأخوذة من اسم الله عز وجل الحي، وقد ورد اسم الله عز وجل الحي في القرآن في خمسة مواضع: الموضع الأول: في هذه الآية من سورة البقرة.

والموضع الثاني: بداية سورة آل عمران: {الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:١ - ٢].

والموضع الثالث: في سورة الفرقان، في قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨].

والموضع الرابع: في سورة طه في قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه:١١١].

والموضع الخامس: في سورة غافر في قول الله عز وجل: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ} [غافر:٦٥].

هذه خمسة مواضع في اسم الله عز وجل الحي، ثلاثة منها اقترنت باسمه القيوم، واثنان منها لم تقترن به.

وقد جاء في البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعاء له طويل ومنه: (أنت الحي الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون)، فقوله: (الذي لا يموت) في هذا الحديث، وفي قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:٥٨] (الذي لا يموت) معناه: أنه سبحانه وتعالى له الحياة الدائمة، والحياة المأخوذة من اسمه الحي، وهي الحياة التي لا أول لها ولا آخر الحياة الدائمة التي لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه؛ فهو الحي الذي لا أول لحياته، وهو الحي الذي لا نهاية لحياته، فمن كان لحياته أول فهي ناقصة، ومن كان لحياته نهاية فهي ناقصة أيضاً، والحي الدائم الحياة الذي لا يعتري حياته نقص بوجه من الوجوه هو ربنا سبحانه وتعالى.

والله عز وجل وصف الإنسان بأنه حي، ولكن حياة الإنسان تختلف عن حياة الله عز وجل، وقد أشرنا من قبل إلى أن الاتفاق في الأسماء لا يقتضي الاتفاق في المسميات، فالله عز وجل سمى الإنسان حياً، فقال سبحانه وتعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس:٣١].

لا يوجد أحد ينكر حياة الله عز وجل، لكن يوجد من يفسرها بغير معناها الصحيح.

مثلاً: الباطنية ينفون عن الله عز وجل النقيضين، فيقولون: ليس بحي وليس بميت، ويسمون هذا النفي نفي العدم والملكة، فيقولون: الله عز وجل شيء آخر لا ترد عليه صفة الحياة وصفة الموت؛ لأن من ضمن أدلة أهل السنة على صفة الحياة العقل والنقل، فأما الاستدلال عليها بالعقل، فإنه يقال: لا يمكن أن يوجد إله ليس حياً، لابد أن يكون الإله حياً؛ لأن الحياة من صفة الكمال لله عز وجل، وهو أحق بها سبحانه وتعالى.

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: فإن الموصوف إذا لم يوصف بالحياة فإنه سيوصف بضدها وهو الموت، إذا قلنا: ليس حياً، فمعنى هذا أنه ميت، إذا قلنا: ليس سميعاً، فمعنى هذا أنه أصم، إذا قلنا: ليس بمتكلم، فمعنى هذا أنه أبكم، وهذا استدلال صحيح على أن الشيء إذا لم يوصف بالكمال فإنه سيوصف بضده ومقابله وهو النقص، فإذا قالوا: الله عز وجل ليس حياً نقول: إذاً تصفونه بالموت، قالوا: ولا ميت، قلنا: إذاً وقعتم في التناقض، كيف ليس بحي ولا ميت؟ قالوا: لأنه لا يقبل الحياة ولا الموت، فأنت الآن إذا جئت إلى المنديل هل تقول: المنديل حي؟ نقول: لا، هل تقول: إنه ميت؟ نقول: لا، إذاً لا يقبل الموت ولا الحياة، ولهذا نقول: الإله شيء آخر لا يقبل الموت ولا الحياة.

وهذا كلام باطل، وإن كانوا قد أثروا بهذا القول في كثير من المشتغلين بعلم الكلام، إلى درجة أن الآمدي وهو من علماء الأشاعرة في كتابه (أبكار الأفكار)، يقول: إن هذا الدليل صحيح، ولا تستقيم الدلالة العقلية على إثبات حياة لله عز وجل، وهذا كلام باطل، فإن الشيء الذي لا يمكن أن يوصف بالحياة ولا الموت أنقص مما يمكن أن يوصف بالحياة فتنفى عنه الحياة، ثم يكون مثلاً أخرس أو غير ذلك، فلو جئنا إلى أعمى حتى -ولله المثلى الأعلى- لكنه أعمى، وقارنا بينه وبين الكتاب، أو بينه وبين الميكرفون، فمن الذي عنده الكمال الذي ليست فيه حياة وهو الميكرفون أو الذي عنده حياة؟

الجواب

ذلك الأعمى الذي عنده حياة، وهذا شيء طبيعي، فإن الحياة كمال.

ومن جهة أخرى: من قال: إن الجمادات لا توصف بالموت ولا بالحياة، فالله عز وجل قد وصف بعض الجمادات بالموت، فقال عز وجل عن الأصنام: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل:٢١] وهي أصنام من حجارة، والله عز وجل سمى الأرض قبل أن يأتيها المطر: {الأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [يس:٣٣]، فمع أنها جماد إلا أنه سماها أرضاً ميتة ووصفها بالموت، ثم إن الله عز وجل قادر على إحياء ما شاء وإماتة ما شاء، فإن الطعام كان يسبح في أيدي الصحابة رضوان الله عليهم، وقد حن الجذع الذي كان يقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تركه وانتقل إلى المنبر، بل وسمع له ص

<<  <  ج: ص:  >  >>