للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الحاكم بغير ما أنزل الله]

السؤال

أشكل علي قولكم بأن من يحكم بالقوانين الوضعية من المسلمين ولو كان يعتقد أنها حرام أو أنها لا تنتفع أنه كافر، وقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤]، وقال: {هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:٤٥]، {هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٧]، أليس هذا تفصيلاً من رب العالمين، وقد قرأت في شرح الأصول الثلاثة لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في هذا الموضوع تفصيلاً في الحكم بغير ما أنزل الله على ثلاث حالات: أنه يكفر إن كان يعتقد بأنها أفضل من حكم الله.

أنه ظالم وليس بكافر إن كان لا يعتقد أنها أفضل من حكم الله.

أنه فاسق وليس بكافر إن كان حكم بالقوانين محاباة من أجل رشوة أو غيرها.

أرجو منكم تبيين هذا الأمر؟

الجواب

الحكم بغير ما أنزل مسألة كبيرة من مسائل الشرع، وقد اختلف فيها الناس اختلافاً كبيراً، والحكم بغير ما أنزل الله نوعان: نوع منه معصية وفسق لا يخرج عن الإسلام، ومن قال بأنه يخرج عن الإسلام فهو من الخوارج.

ونوع يخرج عن الإسلام وهو كفر بالله رب العالمين.

فأما النوع الذي لا يخرج عن الإسلام فهو كحال القاضي الذي يقضي بين الناس بكتاب الله عز وجل وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يحكم في بعض المسائل بهواه وشهوته، فهذا لا شك أنه ليس بكافر، وليس بخارج عن الإسلام إلا إذا استحل هذا الحكم واعتقد أنه حلال.

النوع الثاني من الحكم بغير ما أنزل الله: هو الحكم بغير ما أنزل الله المخرج عن الإسلام، وهذا بعضه متعلق بعقيدة الإنسان، كأن يحكم بغير ما أنزل الله، ويعتقد أنه أفضل من حكم الله فهذا كافر، أو يعتقد أنه مساوٍ لحكم الله فهذا كافر، أو يعتقد أن هذا الحكم مع أنه بغير ما أنزل جائز فهذا كافر.

والنوع الثاني من الحكم المخرج من دين الله عز وجل: هو الحكم بالقوانين الوضعية، وتبديل أحكام الشرع، وتنحية الشريعة، والإتيان بهذه القوانين الوضعية بدلاً عنها، فهذا الفعل حتى ولو كان لا يعتقد أنها مثل حكم الله، أو أنها أفضل من حكم الله، أو أنها مساوية لحكم الله، وحتى لو لم يكن مستحلاً لها، وإنما هو يرى أن هذا الفعل في ذاته حرام: فهذا كفر مخرج عن الإسلام.

والفرق بين فعل القاضي الذي اعتبرناه معصية، وبين الحكم بالقوانين الوضعية: أن القاضي يحكم بشريعة الله عز وجل ولم يبدل أحكام الدين، حتى لو حكم بشهوته وهواه في مسألة من المسائل، فإنه لم يبدلها، ولم يجعل هذا الحكم عاماً على كل المسلمين، وإنما في مسألة لهواه، أو لقرابة، أو لأي أمر من الأمور، حتى ولو كثرت هذه منه فهي معصية من المعاصي.

أما القانون، فمعنى كلمة قانون: قاعدة مستمرة تنطبق على كل الناس، مثلاً: حكم الله عز وجل في الزاني أنه إذا ثبت عليه الزنا وكان غير متزوج فإنه يجلد، وإذا كان متزوجاً يرجم، فإذا جاء شخص وبدل حكم الله عز وجل وقال: لا، إذا كان متزوجاً أو غير متزوج فإنه لا يرجم، وإنما يسجن ويعاقب أو يغرم بمال.

هذا كفر مخرج عن الإسلام ما فيه شك؛ لأنه تغيير لحكم الله عز وجل، وهذا هو حقيقة الاستحلال حتى لو قال: أنا غير مستحل، فإنه كذاب؛ لأن تغيير الحكم في ذاته استحلال، فالمغير المبدل لشريعة الله عز وجل كافر، والذي يحكم به كافر أيضاً، والذي يتحاكم إليه مع رضاه به واختياره في ذلك كافر أيضاً؛ لرضاه بالتحاكم إلى غير شرع الله عز وجل.

وهذا الكلام ليس بدعاً أتيت به من عندي، وإنما هو كلام أهل العلم، وآخر أهل العلم الذين تحدثوا عن هذا الموضوع بشكل مفصل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى، له رسالة اسمها: تحكيم القوانين، فإنه ذكر الحكم بغير ما أنزل الله المخرج من الملة، ثم ذكر المعتقد، فقال: إذا اعتقد أنها أفضل من حكم الله هذا نوع، وإذا اعتقد أنها مساوية لحكم الله فهذا نوع، إذا اعتقد أنها حلال فهذا نوع، ثم جعل نوعاً خاصاً غير هذه الأنواع وهو الحكم بالقانون الوضعي، واعتبره من الكفر الأكبر؛ لأن هذا إلغاء لدين الله عز وجل وإلغاء للشريعة، وهو في الحقيقة طي لبساط الشريعة عندما تلغي وتنصب محاكم في الأموال والدماء والعلاقات في أي أمر من الأمور، وتقصر دين الله عز وجل في الأحوال الشخصية: هذا كفر بين لا إشكال فيه، فلو رجعتم إلى رسالة الشيخ ستجدون أنها مفصلة.

هذا من جهة.

ومن جهة ثانية: فإن الله عز وجل قد كفر اليهود والنصارى؛ لأنهم اتبعوا التبديل -أما المبدل والمغير فلا شك في كفره- فالله عز وجل يقول: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١]، لماذا اتخذوهم أرباباً من دون الله؟ ورد في حديث عدي بن حاتم: (أنهم يحلون لهم الحرام فيتبعونهم)، والاتباع عمل وليس اعتقاد، يقولون: هذا حلال وهو حرام فيتبعونهم عليها.

وحتى لا يكون كلامنا نظري، فإن الواقع هو أن القوانين الوضعية الموجو

<<  <  ج: ص:  >  >>