للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأدلة العقلية على إثبات صفة العلم]

ويدل على صفة العلم العقل والشرع، وقد بين الشرع كيفية الاستدلال العقلي على هذه الصفة العظيمة، وهي صفة ذاتية عقلية لا تنفك عن الله عز وجل، وليست متعلقة بالمشيئة، وعقلية لدلالة العقل عليها، وقد بين الشرع كيفية الاستدلال العقلي عليها.

مثال ذلك: قول الله عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]، فهذه الآية تدل دلالة عقلية على أن الله سبحانه وتعالى عليم، ووجه الدلالة من هذه الآية هو أن الله عز وجل خلق الخلق، وهذا أمر متفق عليه، ولا يمكن أبداً أن يخلق الخلق إلا بعلم؛ لأن الخلق تقدير وترتيب للمخلوقات وترتيب لأجزاء المخلوق، ولا يمكن أن يكون هذا إلا عن علم.

ولهذا لو قيل: إن إنساناً صنع سيارة وهو لا يعرفها، أو ليس له علم بها، أو وهو جاهل لا يعرف شيئاً.

لما صُدَّق هذا، فكيف يركب السيارة وينظمها ويجعلها بهذه الطريقة وهو لا يعلم شيئاً؟ فلهذا المخلوقات الموجودة في الكون دليل واضح على علم الله عز وجل.

ومن جهة أخرى: فإن الخلق لا يكون إلا عن إرادة، والإرادة مستلزمة للعلم؛ لأنه لا يريد الخلق إلا عالم به.

ومن هنا يتضح أن الشرع استعمل أدلة عقلية صحيحة ليس فيها شيء من اللوازم الباطلة، أو العقائد الفاسدة، كما هي أدلة المشتغلين بعلم الكلام؛ فإن المشتغلين بعلم الكلام استدلوا بأدلة غير الأدلة القرآنية، ولهذا لما استدلوا بها ألزمهم الخصوم بلوازم؛ فلما التزموها أضرت بالعقيدة إضراراً كبيراً، وصار منها نفي الصفات الفعلية، وصار منها القول بفناء الجنة والنار.

إذاً: الشرع استخدم الدليل العقلي على هذه الصفة، وهذه الصفة واضحة ليست بحاجة إلى استدلال، فلا يمكن أن يكون إلهاً ورباً وخالقاً ومدبراً إلا وهو عالم.

وقد سبق أن من المناهج الشرعية في الاستدلال العقلي: الاستدلال بنقيض الشيء، ونقيض العلم هو الجهل، ولا يمكن أن يوصف الإله بأنه جاهل، ولهذا لما ناقش بعض العلماء بشر المريسي وقالوا له: هل تثبت العلم؟ قال: أقول لا يجهل.

قالوا له: إما أن تثبت العلم وإما أن تنفيه.

وأهل البدع يعظمون النفي، مع أن المنهج الشرعي الإثبات المفصل لأسماء الله عز وجل وصفاته، والنفي المجمل المتضمن لكمال الضد.

<<  <  ج: ص:  >  >>