للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وقول الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٧]].

عقد المؤلف هذا الباب ليبين أن ترك الشرك ركن أساسي في توحيد الألوهية؛ لأن الآية تخبر عن المشركين الذين يعبدون الصالحين، حيث قال تعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ)) يعني: يدعونهم.

فالمقصود بقوله: ((أُوْلَئِكَ)) الإشارة إلى من يدعوهم المشركون، ((يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ)) يعني: من الأنبياء والصالحين المعبودين من دون الله سبحانه وتعالى.

فترك الشرك والبراءة منه داخل في أساس الدين وفي أصل الدين، فلو أن إنساناً قال: أنا أعبد الله، لكن لا أتبرأ من الشرك، ولا أقر بأن المشرك يكون من أهل جهنم، فإنه لا يعتبر موحداً.

ولهذا فإن الدعاوى الموجودة في هذا العصر التي يرددها بعض الناس، حيث يقولون: إن اليهود والنصارى ليسوا كفاراً، وإننا نحن وإياهم نلتقي في الملة الإبراهيمية، وإننا جميعاً من أهل الجنة، وإن الإسلام طريق إلى الله، واليهودية طريق إلى الله، والنصرانية طريق إلى الله، هذه الدعاوى كفر أكبر، وقائلها لم يحقق أصل الدين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:٢٦ - ٢٨]].

قال المفسرون في قوله تعالى: ((وَجَعَلَهَا كَلِمَةً)) قالوا: الكلمة هي (لا إله إلا الله)؛ لأن هذه الآية مطابقة لمعنى (لا إله إلا الله)، فقوله: ((إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ)) يطابق (لا إله)، وقوله: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف:٢٧] يطابق: (إلا الله).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١]].

هذه الآية أيضاً مطابقة لمعنى لا إله إلا الله، فقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١] يعني: أشركوا مع الله عز وجل الأحبار -وهم علماء اليهود- والرهبان، -وهم عباد النصارى- حيث اتخذوهم أرباباً؛ لأنهم يحلون لهم الحرام فيتبعونهم، ويحرمون عليهم الحلال فيتبعونهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتلك عبادتهم)، وهذا هو معنى قول الله عز وجل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:٤٠].

ولم يكتف المؤلف رحمه الله بالآية الأولى في الدلالة على مطابقة كلمة التوحيد لدعوة إبراهيم عليه السلام لأن الذي جاء في الآية الأولى آية الزخرف، -وهو قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف:٢٦] هو صنف من أصناف العبادة، وهذا صنف آخر، وهو الحكم والتشريع.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥]].

هذه الآية فيها بيان للمحبة ووقوع الشرك فيها، وسيعقد الشيخ لها باباً مستقلاً بإذن الله تعالى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله عز وجل)].

قوله: (من قال: لا إله إلا الله) هذا هو الجانب الإيجابي، وهو فعل العمل الصالح، يعني أن قول (لا إله إلا الله) والصلاة والصيام والمحبة والخوف كل ذلك ينبغي أن يُصرف لله سبحانه وتعالى، وهذا موافق لقوله: (إلا الله).

وأما الجانب السلبي الآخر فهو قوله: (وكفر بما يعبد من دون الله)، فقد جعل الكفر بما يعبد من دون الله داخلاً في أصل الدين، حتى إنه لا يقبل إسلام الشخص إذا لم يكفر بما يعبد من دون الله؛ لأنه قال: (حرم ماله ودمه وحسابه على الله).

فهذا الباب المقصود به بيان حقيقة توحيد الألوهية، وتفسير شهادة أن لا إله إلا الله، وأنها مركبة من ركنين أساسيين: الركن الأول: النفي، ومعناه: نفي الأرباب ونفي الأنداد ونفي الطواغيت ونفي الآلهة.

الركن الثاني: إثبات العبادة لله وحده سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>