للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقديم طاعة المتبوعين على طاعة الله ورسوله يجعلهم أرباباً من دون الله

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أرباباً من دون الله.

وقال ابن عباس رضي الله عنه: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!].

كان هذا في موضوع المتعة، حيث كان أبو بكر وعمر ينهيان عن المتعة، وكان ابن عباس يجيزها، وكان إذا ناقش بعض الناس يقول لهم: قال رسول الله، فيقولون: كرهها أبو بكر وعمر، فيغضب غضباً شديداً -وحق له ذلك- ويقول: أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر! يعني: كيف تعارضون قول رسول الله بقول أبي بكر وعمر، فهذا إنكار ابن عباس على من يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول هاذين الفاضلين اللذين هما من خيار الناس وأفضل الناس، فكيف من يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول كاتب من الكتاب في الصحافة، أو يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول حاكم من الحكام، أو بقول شخص من الأشخاص، بل بعضهم وصل به الحال إلى أن يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول سفيه من السفهاء ليس له أي قيمة في علم ولا عمل، ولهذا فإن التدني في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الواقع الذي نعيش فيه وصل إلى مرحلة منحطة بشكل عجيب، وهو يحتاج منا جميعاً إلى التعاون على بيان طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم هذا الأمر، وطاعة الله عز وجل وتعظيم هذا الأمر، وعدم مخالفة أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنها مهلكة للإنسان، ولهذا قال: يوشك أن تنزيل عليكم حجارة من السماء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣]، أتدري ما الفتنة؟ الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك].

هذا في النوع الأول من أنواع الطاعة، وهو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة على أن الأمر يقتضي الوجوب؛ لأنه رتب الفتنة والعذاب الأليم على مخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال رحمه الله: وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: ({اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ} [التوبة:٣١]، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم! قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم)، رواه أحمد والترمذي وحسنه].

هذا الحديث إسناده حسن كما قال الترمذي رحمه الله، وقد حسنه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وهو يدل على تفسير الآية في كونهم اتخذوهم أرباباً؛ لأنهم أعطوهم حق التشريع، يحلون لهم الحرام فيتبعون، ويحرمون عليهم الحلال فيتبعونهم.

كما هو حال أصحاب القوانين الوضعية، فإنهم أعطوا حق التشريع للجان معينة، أو لقانونيين يشرعون بخلاف ما أمر الله عز وجل به، وهذا لا شك في أنه من الشرك الأكبر كما بين ذلك الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في تحكيم القوانين، فليراجع.

والتحاكم والحكم من العبادة، ولهذا يقول الله عز وجل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:٤٠]، فحصر الحكم في الله عز وجل، فلا يجوز لأحد أن يطلب الحكم من غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال بعدها: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:٤٠] وذلك يدل أن الحكم عبادة، فيجب أن تصرف لله، وكما أن المحبة والخضوع والذل والخوف ونحو ذلك من الأعمال عبادات، فكذلك التحاكم، فلا يجوز للإنسان أن يتحاكم إلى أي قانون من قوانين الجاهلية، وإنما يجب عليه أن يتحاكم إلى الله عز وجل ورسوله في كل شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>