للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطر التحاكم إلى الطواغيت وجره إلى الشرك]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:٦٠]].

هذه الآية فيها بيان أن من يريد التحاكم إلى غير الشريعة فهو من المنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان، فهم يبطنون الكفر حيث لا يريدون التحاكم إلى الشريعة، ولهذا يظهر ذلك على فلتات ألسنتهم عندما يطلبون التحاكم إلى غير الشريعة.

ومن الأدلة على أن التحاكم يجب أن يكون لله سبحانه وتعالى قول الله عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

ونحو ذلك من الآيات التي تدل على وجوب التحاكم إلى الله ورسوله، كقول الله عز وجل في المتحاكم إلى غير الشريعة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١] وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:٥٦]].

هذه الآيات عامة تشمل الإفساد بالعقائد الباطلة، والإفساد بالشرك، ومنه الإفساد بالتحاكم إلى غير شريعة الله عز وجل بعد أن أصلحها الله بشريعته، فالذي خلق الإنسان هو الله، وهو أعلم بما يصلحه وما ينفعه، ولهذا أنزل عليه شريعة تصلحه وتنفعه، فإذا ابتغى الإنسان شريعة أخرى يخترعها ويضعها هو وهو إنسان محدود العلم، محدود الفكر، محدود التصورات، فسيضع لنفسه شريعة غير الشريعة التي وضعها الله عز وجل، وهذا إفساد في الأرض بعد أن أصلحها الله عز وجل بالشريعة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة:٥٠]].

هذا استفهام إنكاري، وحكم الجاهلية هو كل حكم مخالف لحكم الله عز وجل، فإن الجاهلية اسم عام لكل أمر مخالف لدين الله عز وجل، حتى ولو كان من الذنوب والمعاصي، ولهذا لما عير أبو ذر بلال بن رباح رضي الله عنهما فقال له: يا ابن السوداء! قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، يعني: فيك خصلة من خصال الجاهلية.

وبوب البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان (باب الذنوب من أمور الجاهلية) فكل شيء مخالف لشريعة الله فهو من الجاهلية، سواءٌ كان من الكبائر أم من الكفريات المخرجة عن الملة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قوله: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).

قال النووي: حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح].

هذا الحديث ذكره النووي رحمه الله في الأربعين، وهو من الأحاديث التي انتقدت على الإمام النووي في ذكره لها في الأربعين؛ لأنه حديث ضعيف، وممن فصل في بيان ضعفه شارح الأربعين النووية ابن رجب الحنبلي رحمه الله في (جامع العلوم والحكم) فيمكن أن يراجع.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد؛ لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود؛ لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} [النساء:٦٠]].

هذا الأثر المروي عن الشعبي أثر مرسل، فـ الشعبي من التابعين، ولم يكن من الصحابة الذين عايشوا التنزيل، فيعتبر أثراً ضعيفاً في سبب النزول، ودلالة الآية على موضوع التحاكم صريحة في لفظها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقيل: نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟! قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله].

هذا الأثر فيه ضعف، وقد يكون موضوعاً؛ لأن في إسناده محمد بن السائب الكلبي، وهو كذاب، وأبو صالح الراوي عنه متروك.

والخبر فيه إشكال عند بعض الناس؛ إذ كيف يقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الرجل دون أن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أو يستأذن صاح

<<  <  ج: ص:  >  >>