للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام نسبة النعمة إلى غير الله]

يمكن أن نقسِّم نسبة النعمة إلى غير الله عز وجل إلى أقسام: القسم الأول: أن ينسبها إلى سبب حقيقي.

القسم الثاني: أن ينسبها إلى من يعتقد فيه التأثير.

القسم الثالث: أن ينسبها إلى سبب وهمي وليس حقيقياً.

فأما القسم الأول -وهو الذي نسبتها إلى سبب حقيقي- فهو نوعان: النوع الأول: أن ينسبها إلى سبب حقيقي على سبيل الحكاية، فهذا لا شيء فيه، وهو جائز.

والنوع الثاني: أن ينسبها إلى غير الله عز وجل وهي سبب حقيقي، لكن على سبيل تعظيم السبب، وضعف إيمانه بأن هذه النعمة من جهة الله سبحانه وتعالى، فهذا النوع شرك أصغر، ولا يعتبر من الشرك الأكبر؛ لعدم وجود عبادة معينة ومحددة صرفها لغير الله، وقد سبق أن بيّنا أن الضابط في الشرك الأكبر هو صرف العبادة لغير الله، واعتبرنا ذلك من الشرك الأصغر لأنها من الوسائل التي توصل إلى الكفر الأكبر، مثل إنكار النعمة عن الله بالكلية.

وأما القسم الثاني: فهو نسبة النعمة إلى معظّم يعتقد فيه التأثير، فهذا من الشرك الأكبر، ومثاله: أن ينسب نعمة إلى ولي من الأولياء ميت، أو إلى نبي من الأنبياء ميت، أو ينسبها إلى النجوم مع اعتقاده أن النجوم مؤثرة، كما كان حال الصابئة، وكما هو حال كثير من المشركين الذين يعتقدون أن للنجوم تأثيراً في الحوادث الأرضية، فهذا شرك أكبر.

وأما القسم الثالث: فهو أن ينسبها إلى سبب وهمي ليس حقيقياً، فهذا شرك أصغر، مثل التمائم التي سبق أن أشرنا إليها.

أما إنكار النعمة عن الله سبحانه وتعالى فينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن ينكرها عن الله عز وجل تكذيباً، فهذا من الشرك الأكبر.

القسم الثاني: أن ينكرها عن الله سبحانه وتعالى، بمعنى أنه لم يفعلها مطلقاً، فينسب كل الأنعام إلى غير الله عز وجل، وهذا كفر أيضاً.

القسم الثالث: ألا ينكر النعمة صراحة، وإنما ينكرها بالتضمن، بأن ينسبها إلى غير الله تعالى، فتدخل فيها الأحكام التي سبق أن أشرنا إليها في أنواع نسبة النعمة لغير الله عز وجل.

ولهذا نلحظ أن تفسير السلف رضوان الله عليهم للآية السابقة جاء بأكثر من معنى، فقد جاء بالكفر الأكبر، وجاء بالكفر الأصغر.

فقوله تعالى: ((يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا)) جاء في قول مجاهد: هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي.

وهذا نوع من أنواع نسبة النعمة لغير الله عز وجل، من جهة أنه نسبها إلى سبب حقيقي ليس على سبيل الحكاية المجردة.

وقال عون بن عبد الله: يقولون: لولا فلان لم يكن هذا.

وهذا من النوع الذي ينسب النعمة إلى سبب وهمي ليس حقيقياً.

وقال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا.

وهذا نسبة النعمة إلى الآلهة ممن يعتقدون فيها التأثير، وهذا هو الكفر الأكبر، وجميع هذه الثلاثة سبق أن تحدثنا عنها.

وقال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقاً، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>