للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نسبة النعمة إلى النفس من دون الله عز وجل وقدحه في التوحيد]

قال المؤلف رحمه الله: [باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:٥٠] قال مجاهد: هذا بعملي، وأنا محقوق به.

وقال ابن عباس: يريد من عندي.

وقوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨].

قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب.

وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف].

هذا الباب فيه نسبة النعمة إلى النفس، فبدلاً من أن يثني المرء على الله عز وجل بأن هداه وأعطاه، وأنه سبحانه وتعالى أكرمه وفضّله بهذه النعمة التي عنده ينسبها إلى نفسه كما فعل قارون عندما نسب إلى نفسه الأموال والخزائن الكثيرة التي كانت العصبة من الرجال تتعب وتنوء بحمل مفاتيحها، فضلاً عن المال الذي هو داخل هذه الخزائن.

فقال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨] يعني: بحذقي، وفهمي، وقدراتي، وإمكاناتي، وحسن تدبيري، وهكذا.

يقول الله عز وجل: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت:٥٠] يعني: إذا أصابه ضر -كالفقر أو المرض، أو أي نوع من أنواع البلاء- ثم مسّه الله عز وجل برحمة منه نسبها إلى نفسه، فقال: هذا بجهدي، وهذا بقدرتي، أو نسبها إلى غير الله، كقوله: هذا من فعل الطبيب الحاذق الذي استطاع أن يستأصل الورم مثلاً، أو أن يعطيني علاجاً قوياً مؤثراً، أو نحو ذلك، فهذا كله من الشرك.

قال مجاهد: [هذا بعملي] يعني ما عنده من الرزق وما عنده من الخير.

[وأنا محقوق به] يعني: أنا مستحق له.

وقال ابن عباس: [يريد: من عندي]، يعني: نسبه إلى نفسه.

وقوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨] هذه قصة قارون، قال قتادة: [على علم مني بوجوه المكاسب]، يعني: أنا رجل صاحب مواهب وقدرات، وهذا الرزق الذي بين يدي بقدراتي وإمكاناتي وحسن تخطيطي وتدبيري، فنسب النعمة إلى نفسه ولم ينسبها إلى الله عز وجل.

وقال آخرون: [على علم من الله أني أهل له]، وهذا تفسير ثان، يعني: أن الله أعطاني ذلك لمكانتي عنده، وهذا من الغرور الذي يحصل لبعض الناس إذا أوتي خيراً.

وهذا معنى قول مجاهد: [أوتيته على شرف]، ثم ساق حديثاً طويلاً في قصة الأبرص والأقرع والأعمى، وأن الله عز وجل أرسل إليهم ملكاً، وأن بعضهم أنكر نعمة الله سبحانه وتعالى، وبين كيف كانت عقوبة الأقرع والأبرص وكيف كانت مثوبة الأعمى.

وهذه كلها بابها واحد، وهو ما سبق أن بيّناه من موضوع نسبة النعمة إلى غير الله سبحانه وتعالى على التفصيل السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>