للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمن من مكر الله واليأس من رحمة الله وخطره على توحيد الربوبية]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩]، وقوله: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦] وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله).

وعن ابن مسعود قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله.

رواه عبد الرزاق.

] هذا الباب يتعلق بخصلتين سيئتين تتعلقان بالشرك في توحيد الربوبية: الأولى: هي الأمن من مكر الله عز وجل، والأمن من مكر الله سبحانه وتعالى يقتضي ترك ركن من أركان الإيمان، وهو الخوف من الله سبحانه وتعالى.

والثانية: اليأس من روح الله عز وجل، واليأس من روح الله سبحانه وتعالى يقتضي ترك ركن من أركان الإيمان، وهو الرجاء.

ولهذا ذكر أهل العلم أن هناك ثلاثة أعمال من أعمال القلوب تعتبر أصول الإيمان، وهي: الخوف، والرجاء، والمحبة، وعندما تكلم أهل العلم عن الخوف والرجاء قالوا: إنهما كالجناحين للطائر.

والتشبيه يقتضي أمرين: الأمر الأول: أنه لا بد من وجود الاثنين.

والأمر الثاني: أنه لا بد من الاعتدال فيما بين هذين الاثنين، فإن الطائر لا يمكن أن يطير بجناح واحد، وكذلك لا يمكن أن يطير وأحد جناحيه أقل من الآخر، بل لا بد من أن يكونا مستويين.

ولهذا روى أبو نعيم في الحلية عن مكحول أنه قال: (من عبَد الله بالحب وحده فهو زنديق)، ومن عبَد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبَد الله بالخوف وحده فهو حروري، يعني: من أهل حروراء من الخوارج.

أما الأمن من مكر الله فمعناه: أن الإنسان يأمن من عقوبة الله سبحانه وتعالى، ومكر الله المقصود به نوع من أنواع العقوبة، وهو الإيقاع بمن أراد أن يعاقبه من حيث لا يشعر، فهذا هو مكر الله سبحانه وتعالى، والمكر ليس بصفة نقص، بل هو صفة نقص إذا ابتدأه الإنسان بدون سبب، أما إذا كان المكر عقوبة لمن يستحق ذلك فهذا وصف محمود يدل على القوة والقدرة، ولهذا لا يصح أن يوصف الله عز وجل بالمكر مطلقاً، ولا أن يؤخذ من هذا الوصف اسم فيقال: الله الماكر مثلاً، وينسب إليه فيقال: عبد الماكر مثلاً، وإنما يؤتى بهذا الوصف منسوباً إلى الله عز وجل عند وجود مقتضاه، كقوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:٣٠].

فإن العقوبة قد تأتي بشكل واضح يشعر به الإنسان، وقد تأتي بشكل لا يشعر به، فتسمى مكراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>