للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اليأس من رحمة الله]

وأما الخصلة الثانية فهي القنوط من رحمة الله عز وجل، ومعنى القنوط من رحمة الله: اليأس من رحمة الله، والشعور بأنه لا يمكن لرحمة الله أن تناله مطلقاً، والقنوط من رحمة الله عز وجل طعن في قدرة الله عز وجل ورحمته، فالقنوط المطلق كفر مخرج عن الإسلام، والقنوط المطلق: هو الذي لا يكون معه رجاء مطلقاً، بحيث لا يوجد عنده أصل الرجاء، فهذا كفر مخرج عن الملة.

والنوع الثاني من القنوط: هو القنوط الذي يجعل الإنسان يخاف من عدم المغفرة إلى درجة سوء الظن بالله عز وجل، ولكن يبقى عنده أصل الرجاء، فهذا ليس بكفر أكبر، بل هو من الكفر الأصغر والشرك الأصغر.

والدليل على أن اليأس من رحمة الله سبحانه وتعالى من الكفر هو قول الله عز وجل في قصة يوسف عليه السلام: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧] وروح الله: رحمة الله سبحانه وتعالى، واليأس: هو القنوط، يقول الله عز وجل: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:٥٦]، فلا بد من وجود أصل الرجاء عند العبد، ولهذا جاء في حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال: (الشرك بالله، واليأس من روح الله) واليأس معناه: القنوط، والقنوط معناه: اليأس، وروح الله: رحمة الله، ثم قال: (والأمن من مكر الله) فهذه أمور معدودة في الكبائر.

وعن ابن مسعود قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله.

رواه عبد الرزاق، وإسناده صحيح.

ويلحظ في كلام ابن مسعود التفريق بين القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله، وقد ذكر بعض الشُرَّاح فرقاً لطيفاً، وهو أن القنوط استبعاد لرحمة الله، واليأس استبعاد لزوال المكروه؛ فكأن اليأس مرتبط بالمكروه الذي يحصل للإنسان، مثل المرض والبلاء ونحو ذلك، والقنوط كأنه من الأمور المتعلقة بالذنوب والمعاصي، فإذا أذنب وعصى فإنه قد يصل إلى مرحلة يقنط فيها من رحمة الله.

فهذا هو التفريق الذي ذكره بعض الشُرَّاح، وإن كان أن القنوط واليأس بمعنى واحد في العموم.

<<  <  ج: ص:  >  >>