للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله وأثر ذلك على توحيد الربوبية]

قال المؤلف رحمه الله: [باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن حُلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله).

رواه ابن ماجه بسند حسن].

هذا الباب متعلق بالشرك في توحيد الربوبية، ووجه علاقة هذا الموضوع بتوحيد الربوبية أن من لم يقنع بالحلف بالله فإن ذلك يدل على عدم تعظيمه لله سبحانه وتعالى، وهذا نقص في توحيده، فمن حُلف له بالله وهو يعرف أن الحالف صادق، ثم لم يقنع دل ذلك على أنه لا يعظّم الله سبحانه وتعالى، وليس لله مكانه في قلبه.

وهناك فرق بين نوعين من الناس: نوع يحلف وهو كاذب وتعرف أنه كاذب، فهذا لا يلزم أن تصدّقه؛ لأن الشك ليس في الحلف، بل الشك في الشخص الحالف.

والنوع الآخر المقصود بهذا الحديث، وهو من عُرف بالصدق ثم حُلِّف بالله عز وجل، فلم يقنع بالحلف، بل يريد أن يحلف بمعظّم آخر، أو يريد أن يقنعه بأمر آخر غير الحلف، كأثر من الآثار المادية ونحو ذلك، فهذا لا شك في عدم تعظيمه لله عز وجل، وهذا يدل على نقص في توحيد هذا الإنسان، والحديث هو عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحلفوا بآبائكم) وهذا من الشرك؛ لأن الحلف تعظيم، فإذا حلف بغير الله فمعنى هذا أنه عظّم غير الله عز وجل، والأصل في الحلف بغير الله أنه شرك أصغر، وأنه من الشرك الذي يتعلق بالألفاظ، وسيأتي الحديث عنه في شرك الألفاظ.

قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدُق)، وهذا أمر بأن يبتعد الإنسان عن الكذب في الحلف بالله؛ لأن من كذب وهو يحلف بالله عز وجل فقد وقع في اليمين الغموس إن كان ما يحلف عليه أمراً ماضياً، وإن كان أمراً مستقبلاً دل ذلك على عدم تعظيمه لله سبحانه وتعالى، والحلف بالله في أمر ماض كقوله مثلاً: والله لقد حصل قبل أيام كذا وكذا وهو كاذب، فهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في نار جهنم، ومن حلف بالله مستقبلاً وهو ينوي أنه لن ينفذ، أو جاء الوقت ولم ينفذ كان ذلك دليلاً على عدم تعظيمه لله سبحانه وتعالى، قال: (ومن حلف له بالله) أي: من حلف له بالله من شخص صادق (فليرض) يعني: فليرض بالحلف بالله سبحانه وتعالى، (ومن لم يرض فليس من الله) وهذا وعيد شديد يدل على أن من لم يقنع بالحلف بالله عز وجل فهو غير معظّم لله.

وبعض الناس -مثل أصحاب القبور- قد يأتي ويحلف بالله عز وجل كثيراً ولا يصدُق، ولا يمكن أن يحلف بالولي مرة واحدة ويكذب، وذلك لأن هذا نابع عن عقيدة فاسدة عنده، وهي أن الولي له تأثير على أولاده، وماله، وصحته، وأهله، ويقول: الله عز وجل غفور رحيم، ويأمن من مكر الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>