للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ظن السوء بالله وخطره على توحيد الربوبية]

قال المؤلف رحمه الله: [باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:١٥٤].

وقوله: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [الفتح:٦] قال ابن القيم في الآية الأولى: فسِّر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل.

وفسِّر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسِّر بإنكار الحكمة وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله، وأن يظهره الله على الدين كله.

وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا ظن السوء؛ لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق.

فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره بحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة، فذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار.

وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده.

فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء.

ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك، هل أنت سالم؟ فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخالك ناجياً] هذا الباب: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:١٥٤] المقصود به هو ظن السوء بالله سبحانه وتعالى، وهو متعلق بتوحيد الربوبية؛ لأنه عدم ثقة بأفعال الله عز وجل وأخباره وأقواله سبحانه وتعالى، وقد فسّره ابن القيم رحمه الله ونقل كلام أهل العلم في تفسيره، بأمرين: الأمر الأول: هو ظن أن الله عز وجل لن ينصر رسوله ولن يظهر أمره، وأن أمر هذا الدين سيضمحل.

والأمر الثاني: هو ظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته، وهذا يدل على أنهم من المنكرين للقدر.

بناء على ذلك نقول: حكم الظن بالله غير الحق ظن الجاهلية إذا كان المقصود به أن الله عز وجل لن ينصر هذا الدين تكذيباً لخبر الله عز وجل، وتكذيباً لوعده سبحانه وتعالى بظهور هذا الدين، حكمه أنه كفر أكبر مخرج من الملة، ولهذا جعل الله هذه الصفة -وهي الظن بالله غير الحق ظن الجاهلية- في هؤلاء المنافقين.

وأما إذا كان المقصود بالظن هنا: أنهم يظنون أن ما يحصل لهم من المصائب، وما يحصل لهم من النعم ليس بقدر الله عز وجل، فذلك داخل في الموضوع الذي سبق أن شرحناه، وهو حكم إنكار القدر؛ وقد بيّنا حكم إنكار القدر بالتفصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>