للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القبوريون وشبهاتهم]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا هو الدرس السابع، وهو في شبهات القبوريين، والقبوريون: هم الذين يعبدون القبور، ويعكفون عندها، ويعظمونها، ويغلون فيها.

وقد بدأت القبورية في تاريخ الإنسانية منذ بداية الشرك، بل إن أول شرك وقع في حياة الإنسانية كان بسبب الغلو في الصالحين، وتعظيم آثارهم، والعكوف على قبورهم.

وهكذا استمر الشرك في الإنسانية، وفي التاريخ البشري، وكان أبرز نوع من أنواع الشرك في حياة الناس هو التعبد لأصحاب القبور.

والشبهات التي عند أصحاب القبور التي يسوغون بها الشرك كثيرة جداً، بل إنه عند التفصيل وعند تكثير الأنواع يمكن أن تصل إلى ثلاثمائة شبهة تقريباً، وهذه الشبه جمع أهمها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب (كشف الشبهات)، فقد جمع قرابة عشر شبهات، وهي من أهم الشبهات التي يتذرع بها أصحاب القبور فيما يقومون به من شرك مناقض لتوحيد الألوهية.

وسبق أن بينا أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، وأن بعثة الرسل كانت من أجل تقرير هذا النوع من أنواع التوحيد، ولهذا كان أهل الشرك في زمن الأنبياء يعرفون أن الله هو الخالق، الرزاق، المحيي، المميت، المدبر، الذي بيده مقاليد كل شيء، وأنه لا خالق إلا هو، ولا رازق إلا هو سبحانه وتعالى.

كانوا يعرفون ذلك معرفة تفصيلة، ولكن وقع الشرك عندهم في توحيد الألوهية في عبادة غير الله سبحانه وتعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [يونس:٣١]، وهناك مجموعة كبيرة من الآيات تدل على هذا المعنى.

فإذا عرف الإنسان حقيقة شرك المشركين، وعرف أنهم كانوا يقرون لله سبحانه وتعالى بتوحيد الربوبية، ويعتقدون أن الله هو الخالق، الرزاق، المحيي، المميت وحده، وعرف أن هذا التوحيد لم ينفعهم عند الله سبحانه وتعالى مع أنه نوع من أنواع التوحيد، إذا عرف ذلك عرف التوحيد المطلوب في النجاة عند الله سبحانه وتعالى، وهو توحيد الألوهية.

فمن جاء إلى الله عز وجل وهو مقر بتوحيد الربوبية وغير مقر بتوحيد الألوهية فلا يقبل الله عز وجل منه هذا النوع من التوحيد، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦].

فأثبت لهم نوعاً من أنواع الإيمان، لكن هذا النوع من أنواع الإيمان ما كان لينفعهم؛ لأنهم كانوا يشركون مع الله سبحانه وتعالى في الألوهية، ولهذا استحل النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم وأموالهم، وفارقهم، وفاصلهم، وقاتلهم، وميز بين أتباع دينه وأتباع دينهم، وحصلت بينه وبين قومه معارك كبيرة ومشهورة، وولاء لأصحابه، وعداء للمشركين.

كل هذا يدل على أن الإيمان بتوحيد الربوبية وحده غير كاف، وأنه لا بد للإنسان -ليكون موحداً عند الله عز وجل- من أن يؤمن بتوحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.

وينبغي أن يعلم الإنسان أن أهل الشرك ما زالوا إلى اليوم، وأنه لم ينقطع الشرك في حياة هذه الأمة، وسيأتي معنا باب عن هذا الأمر بالتفصيل، فالشرك ما زال واقعاً في هذه الأمة، ولا يمكن أن تطبق هذه الأمة بأكملها على عبادة غير الله سبحانه وتعالى وتقع كلها في الشرك.

وسنبدأ في بداية الأمر بالباب الثاني والعشرين، وهو الباب الذي يتعلق بكون بعض هذه الأمة يعبد الأصنام ويعبد الأوثان، وهذا يدل على أن الشرك سيبقى في حياة الأمة، ويحتاج منا إلى أن نتعلم العقيدة الصحيحة، ونتعلم كيفية مواجهة هؤلاء المشركين.

<<  <  ج: ص:  >  >>