للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وقوع الشرك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم]

قال المؤلف رحمه الله: [باب: ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان.

وقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء:٥١]، وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة:٦٠]، وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف:٢١].

وعن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟! قال: فمن؟!)، أخرجاه].

الآيات الثلاث الأولى في هذا الباب تتعلق بالأمم الأخرى، فقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [النساء:٥١] يعني: اليهود والنصارى، {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء:٥١] الجبت: هو السحر، والطاغوت: هو الشرك عموماً، وفسره جابر بأن كهاناً في أحياء من العرب كانوا يتكهنون للناس ويخبرونهم بالمغيبات، فهذه الآية هي في شرك المشركين السابقين، ولا علاقة لها بهذه الأمة بشكل مباشر.

والآية الثانية هي قول الله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة:٦٠]، والطاغوت: هو الشرك، وهذه الآية أيضاً في اليهود.

والآية الثالثة قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف:٢١]، وهذا كان في زمن أصحاب الكهف.

فالآيات الثلاثة كلها في الأمم السابقة، ولكن علاقتها بموضوع كون بعض هذه الأمة يعبد الأصنام هي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر خبراً عن أمر سيقع في هذه الأمة، وهو مشابهة جزء من هذه الأمة لليهود والنصارى والمشركين، فقال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).

فإذا كان المشركون السابقون قد وقعوا في الشرك فإنه سيقع في هذه الأمة أيضاً بمقتضى خبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أن من هذه الأمة من شابه الأمم السابقة في كثير من الأمور، سواء المتعلقة بالعقائد أو السلوك، فكذلك في هذه الأمة من سيقع في عبادة الأوثان كما وقع فيها بعض الأمم السابقة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولـ مسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها -أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً)، ورواه البرقاني في صحيحه وزاد: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى يعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى)].

الشاهد من هذا الحديث هو في الزيادة التي رواها البرقاني في صحيحه وهي جزء من حديث ثوبان الطويل، وموطن الشاهد فيه هو قوله: (ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين)، وهذا تصريح بوقوع الشرك في هذه الأمة، (وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان)، وهذا أيضاً واضح، (وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي)، يعني من يدعي النبوة، والعدد في قوله: [ثلاثون] ليس مقصوداً، أو يحمل على أنه أقل نوع كما ذكر ذلك بعض الشراح.

قال: (وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) ثم قال: (ولا تزال طائفة من أمتي على الحق)، إلى آخره.

والداعي لعقد هذا الباب هو أن الشيخ وجد من القبوريين من يزعم أن الشرك لا يمكن أن يقع في هذه الأمة، وعندما أظهر الشيخ الدعوة إلى توحيد الألوهية ونبذ الشرك في الألوهية انتقده البعض من هؤلاء وقالوا: إن الشرك لا يمكن أن يعود مرة أخرى في المسلمين،

<<  <  ج: ص:  >  >>