للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد المجمل على شبهات القبوريين]

فأما الطريقة المجملة فإنها تصلح في كل شبهة من الشبهات، وهي: تطبيق قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:٧].

فإذا وجدت أمراً مشكلاً فعليك أن ترده إلى الأمر المحكم، والمحكم هو الواضح البين الجلي، وأما المتشابه فهو الغامض والخفي.

فإذا جاءك أحد القبوريين وأراد أن يستدل على جواز عبادة الأولياء، فبدأ يعظم لك الأولياء ويقول: إن الله عز وجل يقول: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:٦٢]، ويقول في الحديث القدسي: (من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، وبدأ يذكر لك فضل الولاية ومنزلتها ومكانتها يريد أن ينتقل من ذلك إلى جواز عبادته، وأنت لا تستطيع أن تجيب عليه جواباً تفصيلياً؛ فإنك تقول له بالجواب المجمل: إن الله عز وجل أخبرنا في الكتاب، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في السنة أنه يجب أن نعبد الله عز وجل وحده، وعندي على هذا مئات الأدلة التي تدل على أنه يجب أن أعبد الله عز وجل وحده، وإن هذا الكلام الذي تقوله عن الأولياء والأنبياء لا أكذبه، ولكن كونك تستدل به على جواز العبادة استدلال فاسد؛ لأنه يناقض مئات الآيات التي هي عندي محكمة واضحة، وهذا مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله.

فهذا جواب مجمل عن كل الشبهات الخاصة بتوحيد الألوهية.

وهكذا الشبهات التي تتعلق بالأسماء والصفات، وهكذا الشبهات التي تتعلق بالإيمان، فإنك تذكر الشيء المحكم البين الواضح وتقول: هذا أمر بين ومحكم وواضح لا أحيد عنه شيئاً؛ لأن أصحاب الشبهات يأتون إلى بعض النصوص من القرآن، أو السنة، أو أعمال بعض الصالحين التي يكون فيها إشكال أو غموض، أو يكون لها تفسير آخر غير التفسير الذي يعرفه الإنسان، فيشغبون بذلك على العامة ويضللونهم.

فلو قال لك قائل: إن هناك نبياً من الأنبياء شك في قدرة الله وهو يونس، وذلك عندما قال الله عز وجل: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:٨٧]، وكيف يظن نبي من الأنبياء أن الله لن يقدر عليه، ولن يستطيع أن يعاقبه؟ فهو بهذا الأمر يتلاعب بك ويحاول إيهامك، مع أن المراد بقوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:٨٧]، يعني: نضيق عليه، وليس معنى (نقدر عليه) هنا من القدرة، وإنما المقصود به: نضيق عليه، فهي كقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:٧]، يعني: من ضيق عليه رزقه.

وهكذا يأتون إلى نماذج من هذه الآيات أو الأحاديث ثم يستدلون بها في غير موطنها وموضعها فيشككون الناس، فعلى الإنسان أن يكون عنده أدلة محكمات بينات واضحات يرجع إليها دائماً، وهذا هو المقصود بالجواب المجمل الذي ذكره الشيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>