للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرد على شبهة حصر الشرك في صرف العبادة لمن تُعتقد ربوبيته

الشبهة السادسة: خلل في مفهوم الشرك، كما أن عند القبوريين خلل في مفهوم التوحيد، حيث اعتبروا التوحيد هو توحيد الربوبية فقط، وأن التوحيد الذي يكون الإنسان به موحداً هو أن يعتقد أن الله هو الخالق، الرزاق، المحيي، المميت وحده، ولو أنه عبد غير الله في الأعمال بدون ربط ذلك بالخلق والإيجاد، فلا يعتبرونه مشركاً.

وكذلك حصل الانحراف عندهم في موضوع الشرك، فجاءوا إلى مفهوم الشرك وقالوا: الشرك هو أن يصرف شيئاً من الأفعال والأعمال التعبدية لمن يعتقد فيه الربوبية، أما من لم يعتقد فيه الربوبية فليس صرف العبادة له بالشرك، ولهذا قالوا: نحن لسنا من المشركين ولو صلينا لأهل القبور، وسجدنا لهم، أو ذبحنا لهم، أو طلبنا الشفاعة منهم؛ لأننا نعتقد أنهم لا يملكون الخلق والرزق والتدبير، لأن الذي يملك ذلك هو الله، ونحن نقول لهم: إن اعتقاد امتلاك الخلق، والرزق، والتدبير شرك في الربوبية، وهو نوع من أنواع الشرك.

ومن أنواع الشرك أيضاً أن يصرف الإنسان نوعاً من أنواع العبادة لغير الله، كأن يطوف بقبر، أو يذبح لغير الله، أو يستغيث بغير الله، ولو كان لا يعتقد أنه هو الخالق والرازق؛ لأن المشركين كانوا لا يعتقدون أن الخالق والرازق هي تلك الأصنام، بل يعتقدون أن الخالق والرازق هو الله عز وجل، ومع ذلك بين الله سبحانه وتعالى أنهم وقعوا في الشرك عندما صرفوا لها شيئاً من أنواع التعبدات بالجوارح أو بالقلوب أو بالألسنة.

فعندما يقولون: نحن لسنا مشركين، نسألهم فنقول: ما هو الشرك؟ فإذا قالوا: الشرك عبادة الأصنام، نقول لهم: وما معنى عبادة الأصنام؟ وإذا قالوا: إن الشرك هو التعبد لغير الله، أو عبادة غير الله، نقول: وما معنى عبادة غير الله؟ فمثل هذه المصطلحات لا بد من تحريرها؛ لأن الخلاف بيننا وبينهم هو في مفاهيم هذه المعاني الشرعية، فهم يخالفوننا في مفهوم التوحيد، ويخالفوننا في مفهوم الإيمان، ويخالفوننا في مفهوم الشرك، ويخالفوننا في مفهوم الكفر، ويخالفوننا في مفهوم العبادة.

فلا بد من أن نعرف ماذا يعنون بهذه المصطلحات إذا قالوها؛ لأنهم قد يقولونها وفي أذهانهم مساحة معينة لها، ولها عندنا مساحة أخرى، فلا بد من الاستفصال، وهذه المسألة تسمى مسألة المصطلحات، وهي مسألة حساسة جداً، فلا بد من معرفة مراد المتكلم بهذا المصطلح، ففي اللغة العصرية الجديدة يقولون: لا بد من أن يكون عند الدعاة انفتاح فكري، فلا بد من أن نقول: ما معنى الانفتاح؟ بدلاً من أن نقول: عندنا انفتاح فكري، ونحن لا نعرف يعنون بهذا الانفتاح، فقد يقصدون بقولهم: ليس عندكم انفتاح معنى أنكم أناس منغلقون على الشريعة التي عندكم، وليس عندكم استعداد لأن تقتنعوا بالنظريات الغربية في الحياة الموجودة الآن، سواء في مجال العلوم الإنسانية مثلاً، أو الفلسفية، أو السياسة، أو في أي باب من الأبواب.

ومعنى هذا أن هؤلاء الذين يريدون الانفتاح يريدون أن نترك ديننا، وأن ننفتح على الغرب ونأخذ ما عندهم من العقائد الفاسدة باسم التنوير والتطوير، وحينئذ نكون منفتحين.

فنقول: هذا انفتاح لا نريده؛ لأنه انفتاح فاسد، وهو انفتاح يقتضي التخلي عن أحكام الشريعة، فإن ظننتم أن الشريعة نفسها لا تحث الإنسان على العلم والنظر والتفكير فهذا ظن فاسد، وظن سوء في الشريعة.

والشاهد هو أن المصطلحات لا بد من تحريرها وتحديدها عند المناقشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>