للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوسل الممنوع]

أما التوسل الممنوع فينقسم إلى قسمين: توسل بدعي، وتوسل شركي.

أما التوسل البدعي: فهو التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأي وسيلة من الوسائل غير الثلاث السابقة، مثل التوسل إلى الله عز وجل بجاه فلان من الصالحين، أو بمنزلة فلان من الصالحين.

فهذه بدعة؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذن فيها، والعبادات مبنية على التوقيف، ولا يصح للإنسان أن يشرع في دين الله عز وجل ما ليس منه، فلا يصح للإنسان أن يدعو الله عز وجل بجاه فلان من الصالحين أو بمنزلته، ثم إن جاه فلان ومنزلته ليس له أي ارتباط عملي وسببي من الناحية الشرعية ولا من الناحية الطبيعية، فليس هناك أي ارتباط.

وهناك نوع من أنواع التوسل فيه خلاف بين العلماء، وهو التوسل إلى الله عز وجل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يجوز للإنسان أن يتوسل إلى الله عز وجل بذات النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: اللهم إني أسألك بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو: أسألك بجاه محمد صلى الله عليه وسلم؟! فهذه الصيغة موطن خلاف بين العلماء، والصواب أنها لا تجوز؛ لعدم ورود الدليل الواضح الذي يدل على جوازها.

وغاية ما عند الذين أجازوا هذه الصيغة هو التعلق بحديث الأعمى، وحديث الأعمى فيه إشكالان: الإشكال الأول: أن الحديث لم يثبت عند كثير من العلماء.

الثاني: أن الحديث فيه غموض وفيه مواطن مشكلة.

ولهذا لا يصح الاستدلال بالحديث الذي فيه غموض ومواطن مشكلة في قضية عقدية كهذه، ولكن هل نتهم من يجوز الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم بالبدعة؟

و

الجواب

لا نتهمه بالبدعة.

فإن قيل: فما هو الفرق بين التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم -بمعنى: دعاء الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم- وبين دعائه بجاه أي شخص آخر؟ قلنا: هناك فرق: فجاه غيره لم يرد فيه أثر ولا حديث، فهو بدعة.

وأما جاه النبي صلى الله عليه وسلم فورد فيه حديث مشكل، فإذا اجتهد أحد العلماء وأجاز ذلك -لا سيما أنه ورد عن بعض الصحابة أنه كان يجيز ذلك- فيكون هذا من الاجتهاد الذي يعذر فيه صاحبه، لا نبدعه ولا نعصمه في نفس الوقت، وإنما نقول: الصواب هو ترك هذا لضعف حديث الأعمى، ولغموض الاستدلال به.

ثانياً: التوسل الشركي، وهذا -في الحقيقة- ليس توسلاً، وإنما أدخلناه في التوسل لأن القبوريين يسمونه توسلاً، والتوسل الشركي هو دعاء غير الله عز وجل والاستغاثة بغيره، كدعاء الأولياء والأنبياء.

فنحن نقول: أولاً إن تسميتكم إياه توسلاً خطأ.

الأمر الثاني: إنكم لو سميتموه توسلاً فإنا سندخله في التوسل الشركي، فكونكم سميتموه توسلاً لا يعني أنه سيكون من نوع التوسل المشروع، أو أنه داخل في حديث الأعمى؛ لأن حديث الأعمى الدعاء فيه واضح لله، ففيه (اللهم إني أسألك)، وليس فيه (يا محمد! أدخلني الجنة وأخرجني من النار).

والاستغاثة بغير الله أمرها محكم، فهي من الشرك بغير خلاف بين العلماء المعتبرين، وأما القبوريون فلا يعتبر بهم في هذا الصدد، وخطأناهم في اعتبارهم الاستغاثة بغير الله توسلاً لأن التوسل معناه: الطلب بوسيلة، والاستغاثة معناها: الطلب مباشرة.

فالتوسل هو: طلب الله بوسيلة، والاستغاثة ليس فيها طلب لله أصلاً، وإنما الطلب فيها لغير الله، فلا تصح تسميتها توسلاً.

ولهذا ناقش هذه القضية كثيراً ابن تيمية رحمه الله في الرد على البكري في كتاب (الاستغاثة والرد على البكري)، وفي كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)، وفي: (الجواب الباهر)، وناقشه -أيضاً- أئمة الدعوة في كثير من كتبهم، وبينوا الخلط الوارد عند القبوريين في هذه المسألة، وأن الصحيح هو أن نقول: إن التوسل أصبح مصطلحاً مجملاً قد يريد به أشخاص معاني هي في الحقيقة ليست توسلاً، ولكنهم يسمونها توسلاً، فلا بد من التفصيل فيها.

فنقول: إن أردت بالتوسل دعاء غير الله فهذا ليس توسلاً، وهو شرك، وإن أردت بالتوسل دعاء الله بوسيلة فبحسب نوع الوسيلة، فإن كانت بالثلاث السابقة فهذا مشروع، وإن كانت بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا فيه خلاف، والصواب عدم جوازه، وإن كانت بجاه غير النبي صلى الله عليه وسلم فهذا بدعة، وهو ليس من السنة في شيء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠]: ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠]، قال: يشركون.

وعنه: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز.

وعن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها].

سبق أن تحدثنا عن الشطر المتعلق بإنكار الأسماء والصفات في موضع سابق، وأما ما يتعلق بالتوسل فهو واضح في الآية: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠]، وهذا نوع من أنواع التوسل المشروع كما سبق بيانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>