للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فضل من حقق التوحيد]

النوع الثاني من أنواع الفضائل التي أشار إليها هو فضل من حقق التوحيد، وأن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، ومعنى (حقق التوحيد): خلصه وصفاه من الشرك والبدع والمعاصي؛ إذ الشرك والبدع والمعاصي تنقص وتضعف التوحيد، فمن صفّى توحيده من الشرك الأكبر والأصغر، والبدع القولية والعملية، والمكفرة وغير المكفرة، والكبائر والصغائر من المعاصي؛ فإنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.

ثم ذكر دليلاً على ذلك، وهو خبر إبراهيم عليه السلام، يقول الله عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل:١٢٠ - ١٢١].

فهذه مجموعة من الأعمال قام بها إبراهيم، منها: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:١٢٠] يعني: إماماً، والإمام لا يكون إماماً إلا إذا حقق تمام الصبر وتمام اليقين؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤].

ومنها: أنه حنيف، والحنيف هو المنحرف عن الشرك.

ومنها: أنه لم يك من المشركين، وهذه كلها تدل على تمام التوحيد عنده.

ومنها: أنه كان قانتاً لله، والقنوت هو دوام الطاعة والاستمرار عليها.

ومنها: قوله تعالى: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل:١٢١] فهذه خمسة أعمال قام بها إبراهيم، فكانت النتيجة خمس فضائل: الأولى: أنه اجتباه، أي: اصطفاه.

الثانية: قوله تعالى: {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:١٢١].

الثالثة: قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل:١٢٢]، والمقصود بالحسنة التي آتاه الله عز وجل إياها في الدنيا: الذكر الحسن.

الرابعة: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل:١٢٢] يعني: من أهل الجنة.

الخامسة: قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل:١٢٣] يعني أنه متبوع لتمام إمامته.

وأما الآية الثانية التي جاء بها في المحققين للتوحيد فهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون:٥٩] وهذه الآية قبلها وبعدها آيات في هذا الموضوع، وهي قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:٥٧ - ٦١].

فهذه هي أعلى درجات توحيد الألوهية.

ثم ساق حديثاً طويلاً في قصة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وأن السبب في تفضيلهم ودخولهم الجنة بغير حساب ولا عذاب هو تمام التوحيد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر أوصافهم قال: (هم الذين لا يسترقون) يعني: لا يطلبون الرقية، والرقية سيأتي الحديث عنها إن شاء الله، (ولا يكتوون، ولا يتطيرون) يعني: لا يتشاءمون بالطيور أو غيرها، (وعلى ربهم يتوكلون)، وهذا يدل على أنهم من أهل التوحيد التام الكامل ولهذا كانوا من الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>