للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النهي عن قول: عبدي وأمتي وعلته]

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فقد سبق في الدرس الماضي ما يتعلق بشرك الألفاظ، وسبق أن ذكرنا مجموعة من القواعد تتعلق بالألفاظ الشركية، وفي هذا الدرس سنكمل التطبيق في بيان شرك الألفاظ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بابٌ لا يقول: عبدي وأمتي.

في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي)].

إذا قال القائل: (عبدي)، لمن يملكه من العبيد، أو قال: (أمتي)، لجارية يملكها، فالأصل هو جواز هذا اللفظ، إلا إذا اقترن به قصد فاسد، وهو تعظيم النفس ومحاولة تشبيهها بالإله، وقد سبق أن بينَّا أن الألفاظ المنهي عنها لوجود شائبة من شوائب الشرك تنقسم إلى قسمين: قسم لا ينظر فيه إلى قصد صاحبه؛ لأن ظاهره أنه لفظ شركي، بغض النظر عن صاحبه، ولكن عند الحكم عليه لا بد من معرفة نيته وإرادته، وأما لفظه فإنه لفظ شركي، مثل (ما شاء الله وشئت)، ومثل الحلف بغير الله سبحانه وتعالى، والإقسام على الله عز وجل، إذا كان الله عز وجل حتى نحكم بأنه منهي عنه قصد القائل هو تعظيم النفس والإدلال على الله سبحانه وتعالى ونحو ذلك، أما إذا كان على سبيل الثقة بالله سبحانه وتعالى فهو جائز، كما فعله سعد بن عبادة، ولكن لا يكون من أي أحد، وإنما يكون من الأولياء الصادقين الصالحين الذين لهم تعبد ولهم صدق وصلاح.

فالأصل هو جواز هذا اللفظ (عبدي) و (أمتي)، فيصح للإنسان أن يقول: هذا عبدي، وهذه أمتي، ولكن إذا كانت النية قصد التعظيم ومشابهة الإله في كون الإله له عبيد وإماء، فلا شك في أنه لفظٌ شركي وليس بلفظٍ شرعي.

ولهذا يرى الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في (القول السديد) أن النهي عن قوله: (عبدي) و (أمتي) نهي للكراهة، وأن ترك ذلك مستحب، وليس المقصود بالنهي هنا التحريم، كما سبق في كلمة (لولا الكلبة لسرقنا اللصوص)، فإنها بحسب قصد القائل، فإذا قصد نسبة الأسباب إلى غير الله عز وجل وتعظيمها فلا شك في أن هذا من الألفاظ الشركية، وأما إذا لم يقصد ذلك، وإنما قالها على سبيل ذكر السببية -وكان ذلك الشيء سبباً في حقيقة الأمر- فهذا لا شيء فيه، ولا إشكال فيه، وهو جائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>