للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأسباب الداعية إلى الخوف من الشرك]

وقد بوب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في التحذير من الشرك باباً خاصاً سماه: (الخوف من الشرك)، بين فيه رحمه الله تعالى أن الأنبياء مع فضلهم ومكانتهم وقدرهم كانوا يخافون من الشرك، فغيرهم من باب أولى.

والأسباب التي تجعل الإنسان يخاف من الشرك عدة، منها قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، فمن كان مشركاً ومات على الشرك ولم يتب، فإن الله عز وجل لا يغفر له أبداً ويكون مخلداً في نار جهنم.

أما الذنوب التي هي أقل من الشرك فإنها تحت مشيئة الله عز وجل، فإن شاء عذب صاحبها وإن شاء غفر له، ويرجع في آخر أمره إلى الجنة إذا كان موحداً.

وقال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥]، فهو يدعو الله عز وجل أن يبعده هو وأولاده عن الشرك، حيث قال: ((وَاجْنُبْنِي)) يعني: باعدني ((وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ))، فكان إبراهيم يخاف على نفسه الشرك، مع أن إبراهيم هو أبو الأنبياء وهو إمام الموحدين، وهو الذي كسر الأصنام واجتهد في محو الشرك علماً وعملاً، علماً بالحجة وبيان التوحيد ورفض الشرك، وعملاً بتكسير الأصنام بيده في قصة مشهورة في القرآن وفي كتب التفسير.

وفي الحديث: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء)، وهذا حديث حسن.

وهو يدل على أهمية الخوف من الشرك حتى ولو كان شركاً أصغر، لا يخرج صاحبه من الملة؛ لأنه جاء في أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [لئن أحلف بالله كاذباً خير لي من أن أحلف بغيره صادقاً] ويقصد بذلك أن الشرك الأصغر أشد عند الله سبحانه وتعالى من كبائر الذنوب، فهو يرى أنه أشد من اليمين الغموس، وهي من الكبائر التي تغمس صاحبها في نار جهنم.

وفي هذا الحديث دليل على أن الشرك الأصغر مصطلح موجود في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإتيان بكلمة (الأصغر) في وصف الشرك ليس مسألة اجتهادية من العلماء، وإنما هي مسألة منصوص عليها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار) رواه البخاري.

ولـ مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)، وفي هذين الحديثين توكيد على ما أشرنا إليه من انقسام الناس إلى قسمين: قسم مسلم ولو وقع في شيء من الشرك الأصغر، فمصيره إلى الجنة.

وقسم آخر هو المشرك شركاً أكبر، فهذا سيكون من أهل النار ولن يدخل الجنة أبداً.

وكل هذه النصوص تدل على الحذر من الشرك والتخويف منه، ووجوب الخوف منه على الإنسان حتى ولو كان وقد ولد في بيئة إسلامية، ولهذا بوب العلماء باباً بعنوان: [باب ما جاء في أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان]، وعبادة الأصنام هي من أبعد ما يتخيله الإنسان من صور الشرك، وقد يقع الإنسان في أنواع متعددة من شرك الإرادة أو شرك التشريع أو شرك المحبة أو شرك الخوف أو نحو ذلك من أنواع الشرك التي سيأتي بيانها بالتفصيل، أما شرك الأصنام فإنه واضح، ومعركة النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش إنما كانت في هذا الموضوع، فيبعد في العادة أن يرجع أحد من المسلمين فيعبد الأصنام، ولكن هذا يدل على أن الفتن تكثر في آخر الزمان، وأن الناس يضعف فيهم العلم، ويقل فيهم الدعاة والمجددون والمصلحون، وأن الشرك ينتشر فيهم بشكل كبير، وسيأتي معنا في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لن تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة) وهو صنم مشهور من أصنام الجاهلية، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحذر من الشرك غاية الحذر، وأن لا يزكي نفسه ولا يزكي أتباعه وأصحابه وأهل بلده بأنهم بعيدون عن الشرك، فنحن أحوج ما نكون إلى أن ننقي أنفسنا وضمائرنا من الشرك، فهذا هو الغرض الذي عقد الشيخ من أجله هذا الباب العظيم، وهو باب الخوف من الشرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>