للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ضوابط الشرك الأكبر والأصغر]

ويمكن للإنسان أن يميز الشرك الأكبر من الشرك الأصغر، فضابط الشرك الأكبر هو: صرف العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، فإذا كانت هناك عبادة لله سبحانه وتعالى فصرفت لغيره كان ذلك الصرف هو الشرك الأكبر المخرج من الملة، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهي كل ذل وخضوع ومحبة واستقامة للمعبود، وهي كل ما أمر الله سبحانه وتعالى به أمر إيجاب أو أمر استحباب، فإذا أردت أن تعرف العبادة فانظر في القرآن، فأي شيء أمر الله عز وجل به فهو عبادة، سواءٌ أكان أمراً على سبيل الوجوب أم على سبيل الاستحباب، فيدخل في ذلك المحبة، ويدخل في ذلك الولاء، ويدخل في ذلك الخوف، ويدخل في ذلك الاعتماد والتوكل، ويدخل في ذلك الطواف، ويدخل في ذلك الذبح والنسك، وأنواع متعددة من العبادات، حتى إن حلق الرأس يمكن أن يفعل على سبيل التعبد، فنحن نحلق رءوسنا بعد رمي الجمار تعبداً لله عز وجل، فهذا عبادة، وكل نوع من الأنواع التي أشرنا إليها ينقسم إلى قسم عادي لا ارتباط له بالعبادة، وقسم عبادي، وهذا سيأتي تفصيله في أنواع الشرك والأعمال الشركية في توحيد الألوهية.

فإنه يمكنك أن تذهب إلى الحلاق وتحلق رأسك لأنك تريد النظافة، وربما يكون شعرك فيه مشكلة أو مرض، فتحلق رأسك، وهذا ليس عبادة، ولكن حلق الرأس بعد أداء العمرة عبادة، وحلق القبوريين لرءوسهم بعد الطواف بالقبر عبادة، يفعلونه تشبهاً بالعمرة التي تفعل في المكان المشروع، وهو البيت الحرام، وهذا لا يصح فعله؛ لأنه صرف للعبادة لغير الله سبحانه وتعالى.

إذاً: ضابط الشرك الأكبر فهو: صرف العبادة لغير الله عز وجل، وإذا سئلت عن أي مسألة من المسائل ليس فيها صرف للعبادة لغير الله عز وجل فلا يجوز أن تحكم بأنها شرك، وإذا وجدت عبادة صريحة واضحة صرفت لغير الله فهذا شرك لا شك فيه.

والعبادة هي الذل والخضوع مع المحبة للمعبود.

وللشرك الأصغر ضابطان: الضابط الأول: أنه كل ما ثبت بنص شرعي أنه شرك، ولكن دلت الدلائل على أنه غير مخرج من الملة، فهناك نصوص شرعية وصفت مجموعة من الأعمال أو الأقوال أو الإرادات بأنها شرك، وفي المقابل نصوص شرعية أخرى بينت أن هذه الأعمال لا تخرج عن الملة ولا تخرج عن دائرة الإسلام.

وسيأتي معنا في أمثلة الشرك الأصغر ما يؤكد هذه القضية ويدلل عليها بإذن الله تعالى.

الضابط الآخر: أن الشرك الأصغر هو كل قول أو عمل أو إرادة ليس من العبادة، ولكن يتوسل به إلى الشرك الأكبر، مثل الغلو، فالغلو في حد ذاته ليس شركاً؛ فمن الممكن أن يأتي إنسان ويعظم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً شركياً، ويمكن أن يعظمه تعظيماً غير شركي، فعندما يتوسل أحد بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: اللهم إني أتوسل إليك بجاه محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا غلو وبدعة، وليس من السنة في شيء.

وهناك نوع آخر من التوسل، كأن يقول: يا رسول الله! اغفر ذنبي، فهذا شرك.

فكلاهما غلو، ولكن أحدهما أصغر والثاني أكبر، وسيأتي معنا بيان ذلك في الأمثلة.

فالشرك الأكبر هو صرف العبادة لغير الله عز وجل، والشرك الأصغر منه الأمور التي تعتبر وسائل وطرقاً إلى الشرك الأكبر، وليست شركاً أكبر محضاً ولا صرفاً لعبادة لغير الله، لكنها طرق توصل إليه، وهذا الضابط ذكره الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في شرحه القول السديد، وهو من أجمل الضوابط وأنفعها لطالب العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>