للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطر إرادة الدنيا بالعمل الصالح]

والباب الذي بعد ذلك من أنواع الشرك الأصغر هو إرادة الإنسان بعمله الدنيا، وقد اختلف أهل العلم في الفرق بين الرياء وإرادة الإنسان بعمله الدنيا، فبعضهم جعل إرادة الإنسان بعمله الدنيا هي الرياء نفسه، مثل الحسن البصري وغيره.

وبعضهم فرق بينهما، والصحيح هو التفريق، وأصح نوع من أنواع التفريق هو القول: بأن إرادة الإنسان بعمله الدنيا عامة والرياء إرادة خاصة، وكل ذلك فعل لغير الله سبحانه وتعالى، لكن إرادة الدنيا عامة، فقد يريد الإنسان منفعة مالية، وقد يريد منفعةً دنيويةً، وقد يتعلق بشيء من الشهوات لا بالمدح والثناء، أما الرياء فمتعلق بالمدح والثناء، والأحكام التي سبقت في موضوع الرياء هي -أيضاً- منطبقة على إرادة الإنسان بعمله الدنيا، فتكون إرادة الإنسان بعمله الدنيا شركاً أكبر مخرجاً عن الملة إذا كان أصل الإسلام يريد الإنسان به الدنيا، ويكون حينئذ من جملة المنافقين، أما إذا كان أصل إسلامه يريد به وجه الله والدار الآخرة، وعمل بعض الأعمال لأجل الدنيا؛ فإنه يحكم عليه بحسب هذا العمل وبحسب درجة إرادة الدنيا فيه، كما سبق في الرياء، فإن كان بدأ بالعمل من أصله يريد به الدنيا فهو مردود، وكل الآيات والأحاديث التي جاءت في بطلان العمل إذا كان شركاً يستدل بها على بطلان إرادة الإنسان بعمله الدنيا، مثل قوله عز وجل: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:١٨]، وقول الله عز وجل: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:٦٥]، والحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك)، وغيرها من النصوص التي تدل على بطلان الشرك، وهي -أيضاً- تدل على بطلان الرياء؛ لأنه من الشرك، وتدل على بطلان إرادة الإنسان بعمله الدنيا؛ لأنها من الشرك، فإذا كان أصل العمل مراداً به الدنيا فهو باطل، وإذا كان أصل العمل مراداً به وجه الله عز وجل، ثم طرأ عليه إرادة الدنيا فهو بحسب حال العامل، وإن دفع هذه الإرادة وجاهد نفسه فعبادته مقبولة، وإن لم يدفعها وغلبت عليه فإنه يحكم بالبطلان بحسب نوع العبادة، فإذا كانت تتجزأ فإنه يقبل منها العمل الخالص، وأما غير الخالص فلا يقبل، وإذا كانت لا تتجزأ فإنها لا تكون مقبولة، على نحو ما فصلناه في موضوع الرياء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.

وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:١٥]].

هذه الآية فيمن أراد الدنيا بأصل إسلامه، أو غلبت عليه إرادة الدنيا حتى أصبحت هي كل شيء بدل الدين، فهذا لا شك في أنه ليس بمسلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع)].

هذا الحديث فيه كثير من الفوائد, ومما يتعلق بموضوعنا هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى من أراد الدنيا -ومثله من أراد المال- عبداً، فقال: تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة وعبد الخميلة، وهذا بحسب درجة العبودية التي عنده على نحو ما سبق تفصيله، وقد قسم الناس في هذا الحديث إلى قسمين: قسم تعيس: وهو من أراد بعمله الدنيا.

وقسم له الطوبى، و (طوبى) في الأحاديث الواردة قيل: إنها الجنة، وقيل: هي شجرة عظيمة في الجنة.

فهذا ما يتعلق بالكلام في الشرك في الألوهية، وبعض أنواع الشرك الأصغر.

<<  <  ج: ص:  >  >>