للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بطلان الشرك بالنبي ومن دونه]

قال المؤلف رحمه الله: [وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: (شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨])].

قوله: [وفي الصحيح] يعني: في صحيح البخاري.

وقوله: [شج النبي صلى الله عليه وسلم] الشجة: هي الضربة في الوجه.

[وكسرت رباعيته] هما السنان اللذان يكونان في بداية الفم بعد الثنايا.

فقال: (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨]) والأمر: الخلق والثواب والعقاب، فليس للنبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك.

ووجه الدلالة من هذا الحديث في بطلان الشرك: أن النبي صلى الله عليه وسلم مع فضله ومكانته عند ربه ليس له من أمر العبودية والخلق والتدبير وشئون الإلهية شيء، فإذا كان عليه الصلاة والسلام هذا شأنه، وهو من أفضل الخلق فغيره من باب أولى.

فهذا يدل على بطلان عبادة من عبد النبي صلى الله عليه وسلم، أو من عبد غيره وهو أنقص من النبي صلى الله عليه وسلم قدراً، وليس له من الأمر شيء من باب أولى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفيه عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: اللهم العن فلاناً وفلاناً بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨]).

وفي رواية: (يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام، فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨])].

ووجه الدلالة من هذا الحديث هو نفسه وجه الدلالة السابقة، وهي قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨]، فالنبي صلى الله عليه وسلم مع فضله ومكانته عند ربه ليس له من أمر الألوهية والثواب والعقاب والتدبير والخلق والربوبية شيء، ولهذا سيأتي معنا من أسباب الشرك الغلو، وهو رفع الإنسان فوق مرتبته، أو محاولة إيصاله إلى درجة الألوهية، ولهذا يقول الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران:١٢٨]، فليس له من شأن التدبير أي شيء.

فإن قيل: أيهما سبب النزول الأول أو الثاني؟ ف

الجواب

أن بعض الآيات قد يرد في سبب نزولها سببان، بحيث تنزل الآية بعد السببين جميعاً، فتحكى على أنها سبب للأول وعلى أنها سبب للثاني، ولا مانع من ذلك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:٢١٤] قال: يا معشر قريش -أو كلمة نحوها-! اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم! لا أغني عنكِ من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئتِ، لا أغني عنكِ من الله شيئاً)].

هذا الحديث وجه الدلالة منه بيان إبطال الشرك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم غلا فيه بعض الناس حتى أوصلوه إلى درجة الألوهية فعبدوه من دون الله.

وهذا الحديث يدل على بطلان عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على بطلان عبادة غيره من باب أولى، حيث قال عليه الصلاة والسلام: يا فلان، يا عباس، ويا صفية، (يا فاطمة! سليني من مالي ما شئتِ لا أغني عنكِ من الله شيئاً) وهذا يدل على بطلان من يطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم الآن، وسيأتي معنا في شبهات القبوريين أنهم يقولون: نحن نطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة، فنحن نعلم أنه لا ينفع ولا يضر ولا يخلق ولا يرزق، ولكن نطلب منه الشفاعة، ونحن نقول لهؤلاء: إن الشفاعة لا يملكها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشفاعة لله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:٤٤].

فهي ملك لله سبحانه وتعالى، ولا يملكها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ولا في فترة البرزخ، وإنما يعطيه الله عز وجل إياها يوم القيامة، بعد أن يأتي ويسجد بين يدي ربه، ويدعو الله عز وجل فيقال له: سل تعطه، واشفع تشفع.

فإذا قال له الله عز وجل: (سل تعطه واشفع تشفع) فحينئذ يكون الله عز وجل قد أذن له فيها، أما الآن فلا يصح أن تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم، فهي داخلة في قوله: (لا أغني عنك من الله شيئاً) فهو لا يملك شيئاً، ولا ينفع أحداً ولا يضره، ولا يدخل أحداً الجنة، ولا يخرج أحداً من النار

<<  <  ج: ص:  >  >>