للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بطلان الشرك بالملائكة ومن دونهم]

قال المؤلف رحمه الله: [باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣]].

هذه الآية تدل -أيضاً- على بطلان الشرك، ووجه الدلالة منها قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ:٢٣] فالضمير هنا يرجع إلى الملائكة، ومن فسر الآية بأنها في عموم الناس فهو مخطئ؛ لأن الحديث الذي سيأتي بعده يدل على ذلك دلالة قاطعة.

فقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ:٢٣] يعني: إذا ذهب عنهم الفزع.

{قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ:٢٣] يعني: عندما يتكلم الله سبحانه وتعالى - كما سيأتي معنا في الحديث - يفزع الملائكة ويخافون، فإذا ذهب عنهم الفزع {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣].

ففي الآية إبطال عبادة الملائكة، فالملائكة مع فضلهم ومكانتهم ومع كونهم يعبدون الله عز وجل لا يفترون، ومع كونهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، مع هذه الخصائص جميعاً لا يستحقون العبادة؛ لأنهم يخافون، والإله لا يخاف.

ونلحظ منذ أن بدأنا في الباب الأول إبطال عبادة الأصنام، وإبطال عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، وإبطال عبادة الملائكة، وهكذا بهذه الطريقة.

وإذا بطلت عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم فالأولياء من باب أولى ألا يعبدوا من دون الله، وإذا بطلت عبادة الملائكة فالجن وغيرهم من الناس من باب أولى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:٢٣] فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض -وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا؟! فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء)].

هذا الحديث يدل على نفس المعنى الذي سبق أن أشرنا إليه، فهو يدل على أن الملائكة لا تستحق العبادة؛ لأنها تخاف، كما ورد في هذا الحديث، والإله لا يخاف، وبناءً على هذا لا تستحق أن تعبد من دون الله سبحانه وتعالى.

وقوله: (كأنه سلسلة على صفوان) الصفوان: هو الحجر الصلب، والسلسلة معروفة، والتشبيه في قوله: (كأنه) المقصود به أن الخوف الذي لحقهم من سماعهم لكلام الله كالخوف الذي سيلحقهم عندما يسمعون السلسلة تجر على صفوان لقوة الصوت الذي يخرج منها، وليس المقصود تشبيه صفة الكلام بصوت السلسلة التي تجر على الحجر.

قال المؤلف رحمه الله: [وعن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة - أو قال: رعدة- شديدة خوفاً من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صُعقوا وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير.

فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل)].

هذا الحديث فيه ضعف من ناحية إسناده، رواه ابن أبي عاصم في السنة والآجري في الشريعة، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، وفي إسناده نعيم بن حماد وهو ضعيف، وكذلك في إسناده الوليد بن مسلم، وهو مدلس، لكن هذا الحديث يشهد له الحديث السابق الذي في صحيح البخاري، ومعناهما واحد.

ووجه الدلالة منهما في إبطال الشرك هو أن الملائكة مع فضلها لا تستحق العبادة من دون الله سبحانه وتعالى أو مع الله؛ لأنها موصوفة بالنقص في مقابل كمال الألوهية، فهي تخاف كما هو ظاهر في هذا الحديث والآية، والإله لا يمكن أن يخاف أبداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>