للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الغلو في قبور الصالحين]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله.

روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لا تجعلي قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)].

اتخاذ القبور مساجد سبق أن أشرنا إليه، وهو الصلاة عندها واتخاذها مكاناً للتعبد، أو دفن الصالحين أو العظماء في المساجد، بحيث تصبح المساجد مثل المقابر، وكل هذا لا يصح، وهو من الغلو في الصالحين الذي يوصل إلى عبادتهم.

وصحيح أنه ليس عبادة للصالحين، ولكنه يوصل إلى عبادتهم، وهو وسيلة وذريعة من ذرائع الشرك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولـ ابن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:١٩] قال: كان يلت لهم السويق فمات فعكفوا على قبره].

اللات هو رجل كان يَلُتُّ السويق للحُجَّاج، فمات فعظموه وعكفوا على قبره، ثم عبدوه في آخر الأمر من دون الله كما حصل في قوم نوح.

ومن أمثلة الغلو: البناء على المقابر واتخاذ القباب عليها، وهذا مما ابتلي به كثير من بلاد المسلمين مع الأسف، بحيث تمر أحياناً بمقبرة في بلد من بلاد المسلمين فتظن أنك في حي فيه بيوت كاملة، وإذا هي مقبرة لها باب، ويجتمعون عند القبر، وقد يدعون الله عز وجل عند صاحب القبر حتى يكون هذا أدعى في الإجابة، وكل ذلك من وسائل الشرك، وهو من اتخاذ القبور مساجد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس: كان يلت السويق للحاج.

وعن ابن عباس قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)].

المراد بالمتخذين عليها المساجد أن يأتي شخص إلى قبر رجل صالح ويبني عليه مسجداً للعبادة، وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذا من وسائل الشرك.

والسرج إنارة القبور، وما زال الناس -مع الأسف- يخترعون أنواعاً متعددة من المبالغات الغريبة عند قبور الصالحين، مثل بناء القباب عليها، ومثل وضع صناديق للنذور عندها، بل وصل الحال في بعض البلاد إلى أن جُعِل لها نظام خاص تابع للأوقاف، فالأوقاف تشرف على المساجد وتشرف على المقابر أيضاً، بحيث إن زوار المقابر يكون لهم طريقة معينة في زيارتها، وإذا كان عندهم صدقات تأخذها وزارة الأوقاف وتعتني بها عناية غير عادية، مع أن المقابر لم يكن يُعَملُ لها هكذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وسيأتي معنا أن علي بن أبي طالب أرسل أبا الهياج الأسدي على ما أرسله عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومن وظائف هذا الإرسال ألا يجد قبراً مشرفاً إلا سواه.

أي: لا يكون القبر مرتفعاً، فكيف ببناء والمساجد والقباب عليها؟! فهذا الباب كله يتعلق بموضوع الغلو في الصالحين، والغلو في الصالحين وسيلة من وسائل الشرك، وهو مثل الباب الذي قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>