للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التطير والتشاؤم]

التطير معناه: التشاؤم بالطير، وقد كانت هذه عادة من عادات الجاهليين؛ أي: أنهم يتشاءمون بالطير، فإذا أراد أحدهم السفر فاعترض له نوع من أنواع الطير فإنه يرجع من سفره؛ لأنه يظن أن وجود هذا الطير في هذا الطريق علامة على أنه سيقع له في سفره مكروه، وقد يتفاءلون بالطير.

وموضوع التطير يدخل في موضوع التشاؤم بما ليس عليه دليل، فهو من الوهم، ليس له حقيقة، وسمي تطيراً لأن أكثر أنواع التشاؤم عند العرب كان بالطيور، وبعض الناس اليوم قد يتشاءم بالرؤى والأحلام، وبعض الناس قد يتشاءم بالأشخاص، كأن يرى -مثلاً- رجلاً أعور، ففي الحال تنقلب الدنيا في وجهه، ويحصل له تعب نفسي، وربما يترك العمل، وربما يترتب على ذلك أمور كبيرة.

وبعض الناس يتشاءم بالألوان، فيتشاءم من اللون الأسود، أو يتشاءم من اللون الأحمر، وبعض النساء تتشاءم من بعض الصفات أو الأشكال.

إذاً: التشاؤم كله وسيلة من وسائل الشرك؛ لأن التشاؤم ضعف في التوكل واعتماد على الوهم، وقد يتطور إلى اتخاذ أسباب ليست بأسباب حقيقة شرعاً ولا قدراً، فتشبه حالته حالة أصحاب التمائم والرقى الشركية والتبرك ونحو ذلك.

فالمتشائم عندما يتشاءم من اللون الأحمر قد يسبب له هذا ردة فعل في بعض التصرفات، فبعض النساء تدخل مدرسة من المدارس فترى -مثلاً- في الفصل لوناً معيناً فإذا بها تترك المدرسة وتنتقل إلى مدرسة أخرى مثلاً.

وأنواع التشاؤم لا يمكن حصرها، فكلٌ عنده خرافة معينة، فقد يتشاءم بشكل معين أو بوضع معين.

وأساسها - كما قلت - هو ضعف التوكل وعدم الاعتماد على الله سبحانه وتعالى، وعدم وضع الأسباب الشرعية والطبيعية في أماكنها الصحيحة، واتخاذ سبب وهو ليس بسبب، مثل أصحاب الخيوط، حيث يضع أحدهم خيطاً في يده ويظن أن هذا الخيط سيرفع عنه الحمى التي يشعر بها، وهذا يدل على ضعف التوكل عنده؛ لأنه اعتمد على هذا الخيط، مثل التشاؤم الذي يرد الإنسان عن مطلوبه بسبب من الأسباب، وهذا السبب ليس سبباً حقيقياً، بل هو سبب وهمي.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في التطير.

وقول الله تعالى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:١٣١]].

وجه الدلالة من هذه الآية هو أن الله عز وجل ذم التطير، فأخبر أن طائرهم عند الله، أن أسبابهم وحوائجهم عند الله ليست معلقة بالطيور ولا معلقة بالأشجار ولا معلقة بالألوان، فهذا فيه ذم للتطير الذي كان عند الجاهليين.

ووجه الدلالة الثاني أن التطير خصلة من خصال الكافرين، ولهذا كانوا يتشاءمون بالطيور وغيرها.

قال المؤلف رحمه الله: [وقوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس:١٩]].

هذه الآية قبلها قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس:١٨] يعني أن المشركين يقولون للأنبياء: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس:١٨] أي: تشاءمنا بكم، وأصبحتم شؤماً علينا {لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يس:١٨].

فقال لهم الرسل: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس:١٩] يعني: تشاؤمكم لكم وفيكم، وأنتم سبب الشؤم؛ لأن سبب الشؤم هو المعصية، أما وجود الرسل فليس شؤماً، فالمعصية شؤم حقيقي دل عليه القرآن والسنة.

قال تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس:١٩] يعني: أبسبب أننا ذكرناكم تطيرتم بالوهم؟! {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس:١٩].

فهذا يدل على ذم التطير أولاً، ويدل على أنه من خصال المشركين ثانياً، ويدل على ضعف التوكل عندهم ثالثاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)].

قوله: (لا عدوى) هي انتقال المرض من جسد إلى جسد آخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا عدوى) يعني: العدوى لا تنتقل بنفسها وبذاتها، وإنما إذا أراد الله عز وجل انتقالها نقلها، وإن لم يرد فإنها بيد الله سبحانه وتعالى، وقد كانوا يرون أن العدوى نتيجة حتمية لانتقال المرض من شخص إلى شخص آخر، ولهذا فإن العرب في الجاهلية قد يرتبون القتال في بعض الأحيان على مثل هذه الأمور، فقد يكون لأحدهم إبل كثيرة جداً، وآخر عنده بعير أجرب مثلاً، فيقاتلونه إذا جاء ببعيره الأجرب فأرسله في الجمال، وهذا لظنهم أن انتقال العدوى حتمي ولا بد.

ولا يصح أن يورد المريض على الصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك قال: (لا يردن ممرض على مصح) فلا يصح أن يرد المريض على المصح؛ لأنه ربما يتحقق السبب، لكن الاعتقاد الفاسد الذي كان عند الجاهليين هو أن هذا السبب منتقل حتماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا عدوى) يعني: لا عدوى تنتقل بنفسها (ولا طيرة) يعني: ولا تشاؤم؛ لأن الطير لم يعلق الشرع

<<  <  ج: ص:  >  >>