للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حسن الفأل]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهما عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، قالوا: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة)].

الفأل عكس الطيرة، فالطيرة تشاؤم، والفأل أمر يدعو الإنسان إلى الإقبال على العمل.

فكأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الفأل بدلاً من الطيرة، فإذا كان ولا بد فليكن الفأل، لأنه يدفعك إلى العمل، وهو الكلمة الطيبة.

فلو جاء اثنان عند مريض فبدأ بدأ يقول: فلان أصابه هذا المرض وهلك، وفلان من الناس أصابه هذا المرض وعمي، ويأتي بالأمور التي تخيف المريض، وقال كلمة طيبة حسنة خففت عن هذا المريض، فأيهما أفضل؟ لا شك في أن الكلمة الطيبة هي الأفضل، وهي التي تدفع الإنسان لبناء حياته بناء صحيحاً؛ لأن طبيعة النفس الاتجاه نحو التشاؤم أو التفاؤل.

فالتفاؤل أعظم من التشاؤم وأحسن منه وأفضل منه ولا بد، والتشاؤم يكون بحسب الحال، فقد يكون الشيء شؤماً قدراً أو شؤماً شرعاً، والتفاؤل يبني النفس، والتشاؤم يحطم النفس، ومثال ذلك السرطان، فهو -في الغالب- مرض مميت، وهذا بقدر الله، وهو سبب من الأسباب، فهناك أمراض مميتة، وهناك أمراض غير مميتة، وأمراض يرجى برؤها، وأمراض لا يرجى برؤها.

فلو أن إنساناً جاء عند مريض بالسرطان، وبدأ يعد له أسماء الذين ماتوا من السرطان، فإن هذا يدفعه إلى الانزعاج، وهو من التشاؤم، والتشاؤم بالسرطان معناه الانزعاج منه، وهو أمر ليس فيه إثم؛ لأن السرطان مرض مميت، وهو سبب من الأسباب القدرية، وليس وهماً، وليس مثل الطير، فالطير ليس له أي أثر، فعندما يأتي طير فيقف هنا أو يقف هناك، فإن بعضهم إذا رآه وقف عن يمينه أخذ منه أنه سينجح في عمله، وإذا رآه وقف عن يساره قال: سأخفق في عملي، وهذا خطأ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (يعجبني الفأل)؛ لأن الفأل يدفع الإنسان إلى العمل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولأبي داود بسند صحيح عن عروة بن عامر قال: (ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك)].

إذاً: يمكن أن نقسم التشاؤم إلى قسمين: تشاؤم بأسباب طبيعية حقيقية.

وتشاؤم بأوهام.

فالذي يوصل إلى الشرك -أو هو سبب في الشرك- هو التشاؤم بالأوهام، وأما التشاؤم بالأسباب الطبيعية فهو موضوع هذا الحديث، يقول عقبة بن عامر: (ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: التشاؤم بأسباب حقيقية فقال: (أحسنها الفأل) يعني أن التفاؤل وبناء الإنسان لنفسه أفضل من التشاؤم.

(ولا ترد مسلماً) يعني: لا ترد مسلماً عن أمر من الأمور التي يريدها مهما كان هذا التطير.

قال: (فإذا رأى أحدكم ما يكره) يعني: إذا رأى أمراً يكرهه فليقل هذا الدعاء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن مسعود مرفوعاً: (الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل)].

قوله: (الطيرة شرك) هذا نص صريح على أن التطير بالأوهام من الشرك، ويكون شركاً أكبر إذا ظن أن هذه الأوهام السببية حسب تصوره تفعل بذاتها، فهذا شرك أكبر.

وإذا اعتقد أنها لا تفعل بذاتها، بل هي من الأسباب وليست في حقيقتها أسباباً شرعية ولا قدرية؛ فهذا من الشرك الأصغر.

وإذا وقع في نفس الإنسان شيء من التطير فإنه ينبغي أن يجتهد في تربية نفسه على التوكل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولـ أحمد من حديث ابن عمرو: (ومن ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك)].

هذا ذكر آخر في التعوذ من الطيرة، وهي من الكفارات التي تكون للطيرة إذا خالطت النفس، وخطرت في البال.

ولهذا يقسم العلماء التشاؤم والطيرة إلى قسمين: قسم يرد الإنسان عن عمله، فهذا لا شك في أنه من الشرك.

وقسم هو حديث نفسي فقط، فهذا يذهبه الله عز وجل بالتوكل وبالأذكار.

<<  <  ج: ص:  >  >>