للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الذبح لغير الله تعالى]

أول عمل من الأعمال الشركية بدأ بذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هو الذبح لغير الله تعالى.

والذبح المراد به: ذبح بهيمة الأنعام على وجه التقرب؛ إذ الذبح نوعان: النوع الأول: ذبح التقرب والتعبد.

والنوع الثاني: الذبح العادي الذي يفعله الإنسان من أجل الاستفادة من المذبوح بالأكل، ويدخل في ذلك إكرام الضيف مثلاً، فأما النوع الأول -وهو الذبح الذي يكون للتعبد- فهو نوعان: النوع الأول: الذبح لله سبحانه وتعالى، فهذا توحيد يثاب عليه الإنسان، مثل ذبح الأضاحي والهدايا، وذبح العقائق أيضاً، والذبح الذي يكون في التقرب المطلق إلى لله سبحانه وتعالى بإطعام الفقراء ونحو ذلك فكل هذا من التوحيد، والإنسان مأجور على هذا العمل.

النوع الثاني: الذبح لغير الله سبحانه وتعالى، مثل الذبح للجن، أو الذبح للقبور وأصحاب القبور، أو الذبح لمعظم أين كان هذا المعظم على سبيل التقرب، فهذا من الشرك المخرج عن دائرة الإسلام.

وأما النوع الأول من أنواع الذبح -وهو الذبح العادي الذي لا يريد به صاحبه التقرب- فلا بأس به، كأن يذبح الإنسان ليأكل أو يطعم غيره من الضيوف والأهل ونحوهم، فهذا لا يدخل في الشرك؛ لأنه لم يفعل على سبيل التقرب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الذبح لغير الله.

وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣]].

ووجه الدلالة من هذه الآية على موضوع الذبح لغير الله عز وجل هو أن الله عز وجل قال: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام:١٦٢] والنسك المراد به هنا الذبح {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣]، وهذا دليل صريح واضح على أن الذبح قد يقصد به التعبد، فإذا قصد به التعبد فلا يجوز أن يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ومن فعله لغير الله سبحانه وتعالى فقد وقع في الشرك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢]].

والصلاة هنا فسرت بأن المراد بها صلاة عيد الأضحى، ومن فسرها بذلك أخذها من دلالة الاقتران بين الصلاة والنحر في موضع واحد، وقال: هذه لا تكون إلا في عيد الأضحى فقط، ولم تقترن الصلاة بالذبح في أي موضع آخر، ولعل الصواب أن الصلاة هنا عامة، والنحر -أيضاً- عام، وليس خاصاً بالأضاحي، فيكون المراد بالآية الصلاة بكل أنواعها وأصنافها، والنحر بكل أنواعه وأصنافه، ومنها الأضاحي، ومنها الهدايا، ومنها العقائق مثلاً، ومنها ما يذبحه الإنسان تقرباً لوجه الله سبحانه وتعالى، وجاء المؤلف بها ليبين أن النحر عبادة؛ لأن الله أمر به فقال: {وَانْحَرْ} [الكوثر:٢]، ولا يمكن أن يأمر الله سبحانه وتعالى بشيء إلا وهو عبادة، والقاعدة العامة أن أي عبادة من العبادات إذا ثبت أنها عبادة فصرفها لله عز وجل توحيد، وصرفها لغيره سبحانه وتعالى شرك وتنديد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن علي قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: (لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثاً، لعن الله من غير منار الأرض) رواه مسلم].

هذا الحديث فيه بيان أن من ذبح لغير الله سبحانه وتعالى فهو ملعون؛ لأنه قال: (لعن الله من ذبح لغير الله)، ولا يكفي أن نستدل على كفر الذابح لغير الله باللعن؛ لأنه قد يكون اللعن واقعاً على بعض المعاصي، فأكل الربا، والشهادة عليه، والرشوة اقترنت في غير هذا الحديث باللعن، وهي مجموعة من الكبائر وليست مكفرات، ولكن يمكن أن نأخذ من هذا الحديث النهي عن الذبح لغير الله سبحانه وتعالى، وأنه من كبائر الذنوب، ونأخذ أنه يكون كفراً أكبر إذا قررنا أنه عبادة.

ومن النصوص الدالة على أن العبادة إذا صرفت لغير الله عز وجل تكون شركاً، قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:٣٦].

وقوله: (لعن الله من لعن والديه)، هنا الوالدان يشمل الأبوين القريبين من الإنسان ويشمل الأجداد أيضاً، وقوله: (لعن الله من آوى محدثا) يشمل نوعين: من فعل المصيبة التي تستوجب الحد، والمحدث المبتدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فقوله: (لعن الله من آوى محدثاً) يعني: ستر وأعان وساعد، صاحب بدعة أو صاحب جريرة عظيمة، يطلب بها شرعاً، مثل من قتل شخصاً وهرب، أو زنى وهرب، أو نحو ذلك، فمن آواه يصدق عليه هذا الحديث، كما أن من آوى مبتدعاً يصدق عليه هذا الحديث، وهذا يدل على خطر إيواء المبتدعة والسكوت عنهم، ويدل على أن الرد على المبتدعة والوقوف ضد أهل البدع والضلال -ولو كانوا من

<<  <  ج: ص:  >  >>