للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشرك في النذر]

النوع الثاني من أنواع الشرك: الشرك في النذر، والنذر: هو إلزام المكلف نفسه شيئاً لم يكن لازماً عليه بأصل الشرع، ومعنى ذلك أن المكلف يلزم نفسه بعباده بلفظ فيقول: علي لله كذا، أو: علي أن أعمل كذا، كأن يقول: علي أن أصلي عشر ركعات، أو نحو ذلك، فهذا العمل ليس واجباً عليه أصلاً، ولكن أوجبه هو على نفسه، فهذا هو المقصود بالنذر.

والنذر نوعان: نذر يكون لله سبحانه وتعالى، ونذر يكون لغير الله سبحانه وتعالى.

فأما النذر الذي يكون لله سبحانه وتعالى فهو نوعان: نذر طاعة، ونذر معصية، كأن ينذر إنسان أن يفعل شيئاً لله عز وجل، وهذا نذر طاعة، مثل: الصلاة والصيام والحج، ونحو ذلك من أعمال الإسلام، أو ينذر أن يعمل معصية، فإذا نذر طاعة فإنه يجب عليه أن يوفي بنذره، وإذا نذر معصية فلا يجوز أن يوفي بهذه المعصية.

وهناك نوع ثالث في النذر لله، وهو إذا نذر بأمر مباح، فلا يلزمه أن يوفي بنذر المباح، والدليل على ذلك قصة أبي إسرائيل عندما نذر أن يقف في الشمس، يظن ذلك عبادة لله عز وجل، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمره بترك هذا العمل.

النوع الثاني من أنواع النذر: النذر لغير الله عز وجل، مثل: النذر للقبور أو النذر للصالحين أو نحو ذلك، سواءٌ أكانت هذه النذور أموالاً، أم كانت هذه النذور عبادات يقوم بها، أم كانت هذه النذور قرابين، أم غير ذلك، فإذا نذر لغير الله فقد كفر بالله سبحانه وتعالى؛ لأن الإيفاء بالنذر عبادة، فقد مدح الله سبحانه وتعالى الصالحين بإيفائهم بالنذر، وهذا المدح يدل على أن هذا العمل عبادة، وإلا فلن يمدحوا به، والقاعدة العامة: أن العبادة إذا صرفت لله عز وجل فهي توحيد، وإذا صرفت لغيره فهي شرك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: من الشرك النذر لغير الله.

وقول الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:٧].

وقوله: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:٢٧٠]].

في الآية الأولى مدح للصالحين من أهل الجنة بأنهم يوفون بالنذر، وهذا يدل على أن النذر عبادة، وإلا فلن يمدحوا.

والآية الثانية: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة:٢٧٠] فيها -أيضاً- هو مدح لمن ينذر نذراً فوفى به، وهذا أيضاً يدل على أن الوفاء بالنذر عبادة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)].

قوله: (فليطعه) أمر، والأمر يدل على الوجوب، فهو من العبادة، فهذا دليل صحيح صريح على أن الإيفاء بالنذر من العبادة، فلا يجوز صرفه لغير الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>