للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكهانة]

الكهانة: هي الكلام في الغيبيات، ويشمل ذلك الكلام في الغيبيات عن طريق الخط مثلاً، أو الكلام في الغيبيات عن طريق الكف، أو الكلام في الغيبيات عن طريق الفنجان، أو الكلام في الغيبيات عن طريق استعمال الشياطين كما هو حال الكهان المشهورين.

أو هي ادعاء علم الغيبيات، عن طريق النجوم، كأن يقول: نجمك -مثلاً- أو برجك الفلاني سيحصل لك فيه كذا وكذا وكذا، وستتزوج امرأة، ثم بعد ذلك ستنجب منها ولدين وتموت، ويموت ولدك البكر، ويتكلم عن الغيب وكأنه مكشوف بين يديه، فهذا كله من جنس واحد مع اختلاف الأنواع.

ويدخل -أيضاً- في الكهانة البحث عن المسروق؛ لأن البحث عن المسروق ادعاء لعلم الغيب غير الحاضر بتعاون مع الجن، وهذه تسمى العرافة كما سيأتي معنا.

والكهانة -وهي ادعاء علم الغيب- كفر؛ لأنها ادعاء لما اختص الله سبحانه وتعالى به، فالله عز وجل يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥]، وهذا من أقوى أنواع الحصر، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النمل:٦٥]، (من في السموات) يعني: كل ما في السموات؛ لأن (من) عامة؛ لأنها من الأسماء الموصولة، والأسماء الموصولة تعم كل شيء، فكل من في السموات وكل من في الأرض لا يعلمون الغيب، إلا الله، وهناك قاعدة عند العلماء، حيث يقولون: الاستثناء معيار العموم، أي: في المستثنى منه، وهو معيار الخصوص في المستثنى، ولهذا تعتبر الكهانة من الشرك الأكبر؛ لأنها ادعاء لعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

وأما الإتيان إلى الكهان فإنه ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يأتي شخص إلى الكاهن ليسأله دون أن يصدقه، فهذا لا تقبل له صلاة أربعين يوماً.

الثاني: أن يصدقه، وحينئذ يكفر كفراً مخرجاً عن الملة.

أما من جاء إلى الكاهن ليختبره فهذا ليس بكفر، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم اختبر ابن صياد -وقد كان كاهناً- فسأله عن الدخان، فقال: الدخ، فجاء بنصف الكلمة، فقال له: (اخسأ، فلن تعدو قدرك)، وقد جاء في الحديث أن الكهنة يتعاونون مع الجن، وأن الجن يسترقون السمع، ويكذبون على ما يسمعونه مائة كذبة، لكن الناس عندما يرون صدق مرة واحدة ينسون كذبات الكهان كلها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الكهان ونحوهم.

روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)].

هناك خلاف في كون زيادة (فصدقه) من أصل الحديث؛ لأنه روي الحديث بلفظ: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، والصحيح هو التفصيل كما قلت، فإذا لم يصدقه فإنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وأما إذا صدقه فإنه يكفر كفراً مخرجاً عن الملة، وهذا الحديث في صحيح مسلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).

رواه أبو داود].

وهذا -أيضاً- إسناده صحيح.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وللأربعة والحاكم -وقال: صحيح على شرطهما- عن أبي هريرة ضي الله عنه: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)].

والشيء الذي أنزل على محمد صلى عليه الصلاة والسلام هو أن الغيب لا يعلمه إلا الله، كما قال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولـ أبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفاً وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً].

يعني: مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أي: من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، وأما الموقوف فهو الذي يقوله الصحابي أو يفعله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعاً: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).

رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: (ومن أتى) إلى آخره].

هذه الأحاديث كلها دلالتها واحدة على نحو ما فصلنا فيمن أتى كاهناً، سواءٌ أكان عرافاً أم خطاطاً أم صاحب فنجان أم صاحب كف أم غير ذلك، وكل هؤلاء من هذا الجنس، وكل من أتى من ادعى علم الغيب فهذا حكمه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>