للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنواع المحاب المطلوبة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين)، أخرجاه].

هذا الحديث في محبة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، نفي الإيمان فيه هو بحسب نوع المحبة التي صرفت لغير الله كما سبق أن بينا، وهذا يدل على أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم فرض في الإيمان مثل محبة الله سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، وفي رواية: (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى) إلى آخره].

وجه الدلالة من هذا الحديث هو من ناحية أن المحبة يتفاوت فيها الناس، فبعضهم يبلغ درجات عالية من المحبة، وبعضهم أقل من ذلك.

ولهذا يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن صنف معين من الناس وجد حلاوة الإيمان، وهو من أهل الإيمان، فالذي لم يجد حلاوة الإيمان لا يعني ذلك أنه ليس بمسلم، بل المراد درجة المحبة العالية، ولهذا سبق أن بينت أن توحيد الألوهية مثل الإيمان يزيد وينقص، وكل الأعمال المتعلقة بتوحيد الألوهية يزيد فيها الإيمان وينقص أيضاً، فالمحبة تزيد وتنقص، والرجاء يزيد وينقص، والخوف يزيد وينقص، والتوكل يزيد وينقص، والناس ليسوا على مرتبة واحدة، إلا أن هناك حداً أساسياً لازماً لكل هذه الأنواع جميعاً، فإيمان القلب له حد أساسي، وأعمال الجوارح لها حد أساسي، وعناصر أعمال القلب لا بد من أن يوجد فيها حد أدنى إذا لم يوجد في الإنسان يزول الإيمان بزواله، ولهذا جاء في حديث الجهنميين أن الله عز وجل يقول: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان).

يعني: من كان في قلبه مثقال الذرة مع وهو مخلوط من المحبة والخوف والرجاء، والأمور الأساسية من أعمال القلب، مثل: تصديق القلب، ويقين القلب، والإخلاص، والانقياد، ونحو ذلك.

فإيمان هؤلاء نقص حتى صار مثقال ذرة، وليس مثقال الذرة من المحبة فقط، بل من المحبة والخوف والرجاء، ومثقال الذرة لا يكفي وحده في النجاة عند الله عز وجل، بل لا بد من أن يكون معه عمل صالح في الظاهر، وهو نطق الشهادة والصلاة، واجتناب الكفر الأكبر المخرج من الملة، واجتناب نواقض الإيمان، وهذا الاجتناب هو في حد ذاته عمل.

وقد يقول بعض الناس: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم يعلموا خيراً قط).

فنقول: ليس المقصود أنه ليس عندهم عمل، وإنما المقصود أنهم من قلة عملهم يكادون أن يصلوا إلى درجة أنهم لم يعلموا خيراً قط، والذي دعانا إلى أن نفسر هذا التفسير هو أحاديث الجهنميين التي تبين أنهم قالوا: لا إله إلا الله) وهذا عمل خير زيادة على مثقال الذرة، وتبين كذلك وتدل أيضاً أنهم من أهل الصلاة، ولهذا يعرفون بمواطن السجود، وتبين أنهم امتنعوا عن نواقض الإيمان العملية، وهذا خير أيضاً، فلا بد من أن نجمع بين هذه الأحاديث لنفسر هذا التفسير، وهذا سائر في لغة العرب، فالرجل إذا غضب على ولده يقول له: أنت لست بولدي، ولا يقصد بذلك أنه لم يأت من صلبه، وأنه يتهم هذا الولد بأنه ولد بغي -مثلاً- والعياذ بالله، وإنما المقصود أنه ليس بالولد الطائع، فالولد من طبيعته أنه يطيع والده، فالمقصود: لست من ولدي الذي يطيع والده.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله؛ وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولم يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجزي على أهله شيئاً.

رواه ابن جرير].

هذا الأثر عن ابن عباس يضعفه بعض العلماء، وعلى وهو متعلق بمسألة لوازم المحبة، فالمحبة في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، كلها من لوازم المحبة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:١٦٦] قال: المودة].

يعني: تقطعت الأسباب بالكافرين فلم تنفعهم محبتهم لآلهتهم التي كانوا يتخذونها سبباً للنجاة عند الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>