للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخوف وأقسامه]

الخوف عمل من الأعمال القلبية، وهو من أصول الإيمان الواجبة، وهو -أيضاً- من توحيد الألوهية.

والخوف ينقسم إلى قسمين: خوف طبيعي، وخوف تأله أو تعبد.

فالخوف الطبيعي: هو الخوف العادي الذي يحصل للإنسان عندما يداهمه عدو، أو حيوان مفترس، أو نحو ذلك مما يخاف الناس في العادة منه.

والضابط في هذا الخوف الطبيعي هو: انعقاد أسباب الخوف، فالخوف الذي تنعقد أسبابه هو الخوف الطبيعي، وذلك كمن رأى أسداً حقيقياً فخاف، فهذا خوف طبيعي.

أو جاءه عدو بسلاح ووضعه في رأسه، فخاف واضطرب قلبه، فهذا خوف طبيعي يحصل للإنسان، ويخاف الإنسان من الموت، فالإنسان لا يذم ولا يلام على الخوف الذي تنعقد أسبابه.

وأما الخوف غير الطبيعي فيمكن أن نقسمه إلى أقسام: القسم الأول: الجبن، والضابط فيه هو أنه خوف وهمي لم تنعقد أسبابه، والجبن مذموم، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الجبن، فإنه خوف من غير مبرر، إذ يرى ما ليس بسبب سبباً، وهو ليس بسبب في الحقيقة، فهذا مذموم.

القسم الثاني: خوف العبادة، وخوف العبادة ليس خوفاً طبيعياً عادياً، وإنما هو خوف تعلق بالمعبود.

وخوف العبادة إما أن يكون خوفاً من الله، فهذا توحيد، ومعناه التعلق بالله عز وجل، والخوف من وعيده وعقابه.

وإما أن يكون خوفاً من غير الله سبحانه وتعالى، وهو قسمان: القسم الأول: خوف شركي يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وهذا هو الخوف الذي يسميه بعض العلماء خوف السر، ومعنى خوف السر: أن يخاف من غير الله عز وجل خوف تعظيم؛ لأنه يشعر أن هذا المخوف معظم، ويملك أموراً غيبية جعلت هذا الخائف يخاف منه، وهذا نوع من أنواع خوف السر، ومن أنواع خوف السر ألا يخفي على من يخافه شيئاً في قلبه؛ لتصوره أن له تأثيراً عليه، بحيث يجعل باطنه كظاهره عند من يخاف منه.

وهذا النوع من أنواع الخوف شرك أكبر، ويمكن أن يمثل له بخوف المشركين من آلهتهم، فقد كانوا يتصورون أن هذه الآلهة لديها قدرات، كما يقع عند بعض من يشركون في الربوبية، حيث يعتقدون أن هؤلاء لهم قدرات مستقلة يؤثرون في العالم بسببها، فهذا شرك في الربوبية، أو يتصورون أن آلهتهم عندها قدرات بإعطاء الله لها، ولهذا يخافون منها، كما هو شرك المشركين في العالم، فهم يتصورون أن هؤلاء الصالحين الذين يعبدون الله عز وجل مستجاب من الله كلامهم مباشرة، فإذا طلبوا منه أن ينفع فلاناً فسينفعه، وإذا طلبوا منه أن يضره فسيضره، مثل الوكيل أو صاحب المنزلة عند الملك العظيم، فصاحب المنزلة عند الملك العظيم يقول له الملك: اسجن هذا فيسجنه، وأعط هذا مكافأة فيعطيه المكافأة.

ومثل خوف بعض الناس من الأولياء، إذ يقول: لا تتكلم، فالولي إذا تكلمت سيضرك، ومثل خوفهم من السحرة، والكهان، والجن، ونحو ذلك، لا سيما إذا كان الخوف من معظم يعتقد صاحبه أن له قدرات تأثيرية في الناس، فهذا لا شك في أنه من الشرك الأكبر المخرج عن دائرة الإسلام والعياذ بالله.

فهذا هو الضابط في الخوف الذي يكون خوفاً شركياً.

القسم الثاني: الخوف من غير الله عز وجل الذي لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وهو الخوف الذي لا يكون من معظم، بحيث يكون خوفاً سرياً يظهر معه ما في باطنه على جوارحه، وإنما هو خوف من البطش أو الأذى، سواءٌ أكان حقيقياً أم وهمياً، وفي الغالب يكون وهمياً، فيمتنع الخائف بسببه من الواجبات الشرعية.

ومثاله في إنسان قيل له: لماذا لا تشتغل بالدعوة؟ فقال: إذا اشتغلت بالدعوة فسيحصل لي ضرر، ثم يبدأ يعدد بعض الأضرار التي حصلت لبعض الدعاة في التاريخ الإسلامي، فيقول: فلان من الدعاة دعا فقتل، وفلان من الدعاة دعا فسجن، وفلان من الدعاة دعا وجلد ظهره، وفلان من الدعاة دعا فنفي من الأرض، ويبدأ يعدد الأذى والمتاعب التي حصلت لبعض الدعاة، فيمتنع عن الدعوة إلى الله عز وجل خوفاً من هذه الأمور التي يتصورها، فهذا من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وهو من الشرك الأصغر، ولكن لا يصل إلى الشرك الأكبر؛ لأنه لم يصرف عبادة محضة لغير الله، إذ ليس عنده خوف سر، وإنما عنده خوف وهمي ممن يخاف منه جعله يمتنع عن الصالحات، وهكذا الأمر فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو فيما يتعلق بالإصلاح بكل ألوانه، أو بالصلاة ونحو ذلك، وهو من الخوف الذي ليس له مسوغ، إلا أنه خوف الشيطان، وهو خوف ليس صاحبه مكرهاً، بل يستطيع أن يدعو إلى الله بكل سهولة، ومع هذا يمتنع؛ لأنه يخاف من أناس أن يؤذوه، فيكبر الموضوع تكبيراً غير طبيعي، وبهذه الطريقة يمتنع عن الصالحات، فيقع في ترك واجب من الواجبات الشرعية أياً كان هذا الواجب، سواء أكان هذا الواجب في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم في الصلاة والزكاة والصيام ونحو ذلك من العبادات المشروعة، أم في إطلاق اللحية، أم في غير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>