للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بلوغ أسماء الله وصفاته الغاية في الجمال والكمال وانتفاء النقص عنها من كل وجه]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: ففي الدرس الماضي انتهينا من قواعد في توحيد الألوهية، وفي هذا الدرس بإذن الله تعالى سنتحدث عن قواعد في توحيد الأسماء والصفات، وقد سبق أن أشرنا إلى أن توحيد الأسماء والصفات هو جزء من توحيد الله تعالى، وهو متعلق بالإيمان بالله، فإن الإيمان بالله لا يتم إلا بهذا التوحيد، وإذا أنكر أحد أسماء الله عز وجل مطلقاً أو أنكر أسماءه أو صفاته فإنه يكون كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام، والله عز وجل يقول: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠]، وهذه الآية العظيمة تشتمل على قواعد متعددة وكثيرة: القاعدة الأولى: أن أسماء الله عز وجل بلغت الغاية في الكمال والجمال، وأنه لا نقص فيها بأي وجه من الوجوه، وهذا مأخوذ من وصف أسماء الله عز وجل؛ لأنها حسنى، والحسنى على وزن فعلى، وهي تأنيث الأحسن، كقولهم: كبرى وصغرى تأنيث الأكبر والأصغر، وحسنى يعني: التي بلغت الغاية في الحسن والجمال والكمال.

ومن مقتضيات كمال أسماء الله تعالى: أن كل اسم من أسماء الله تعالى يدل على صفة من هذه الصفات، وكل اسم من أسماء الله تعالى فإنه يدل على صفة من صفاته سبحانه وتعالى، وهذا يدل على كمال أسمائه تعالى، يقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:٦٠]، والمثل الأعلى هو الكمال والجمال الذي لا يدانيه ولا يشابهه كمال.

والله سبحانه وتعالى سمى نفسه (الرحيم) فنأخذ منه صفة الرحمة، و (الغفور) فنأخذ منه صفة المغفرة، و (الجبار) فنأخذ منه صفة الجبروت، و (الغني) فنأخذ منه صفة الغنى، و (العزيز) فنأخذ منه صفة العزة وهكذا، كل اسم من أسماء الله تعالى فإنه يتضمن صفة من صفاته سبحانه وتعالى، فأسماء الله عز وجل ليست جامدة لا تدل على معان، بل هي تدل على معان عظيمة، ولهذا استدل أهل العلم على أن الدهر ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد ليس له معنى في المدح والكمال، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار)، فظن بعض العلماء أن هذا الحديث يدل على أن الدهر اسم من أسماء الله تعالى؛ لأنه قال: (وأنا الدهر)، لكن الصحيح أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله تعالى؛ لأن الدهر هو الأيام والليالي، والأيام والليالي ليس فيها مدح ولا كمال ولا جمال، فلا يصح أن يقال: إن من أسماء الله تعالى الدهر، ولهذا يبين الحديث نفسه بنفسه، فإنه قال: (وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) يعني: أن الله عز وجل خالق الدهر وهو مالكه، وهذا يدل على بطلان عقيدة الدَهرية أو الدُهرية يصح بالفتح والضم الذين يقولون: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٤]، فأسماء الله سبحانه وتعالى كلها تدل على معان وتتضمن معاني، والعقل يدل على ذلك أيضاً، فإنه لا يسمى العليم إلا لمن كان لديه علم، ولا يسمى البصير إلا لمن كان لديه بصر، ولا يسمى السميع إلا لمن كان لديه سمع، ولا يسمى الجبار إلا لمن كان لديه جبروت، فمن كانت لديه هذه المعاني سمي بهذه الأسماء، ومن لم تكن لديه هذه المعاني فإنه لا يسمى بها؛ فإن للأسماء أسباباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>