للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حقيقة المدرسة العصرية وأفكارها]

السؤال

ظهر في الآونة الأخير المدرسة العصرانية أو العقلانية، وانضم بعض الدعاة إلى هذه المدرسة أو الفرقة، نتمنى إعطاء نبذة عن هذه الفرقة؟ وهل هم من أهل السنة والجماعة؟

الجواب

العصريون اسم لطائفة متعددة الأفكار، مختلفة التوجهات، يجمعهم رابط واحد هو تأويل وتحريف النصوص الشرعية؛ لتوافق الواقع المعاصر، فهم يرون أن الواقع المعاصر له مقتضيات وله خصائص تختلف عن بقية الأزمان الماضية، وأن هذا الواقع المعاصر وهذا الوضع الموجود لا يتلاءم أن نطبق فيه النصوص الشرعية الواردة بصورتها الواضحة في الكتاب والسنة، بل لا بد أن نتعامل معها بطريقة جديدة، تلاحظون أن هذا الكلام عام جداً، ولهذا تجد من يحرف النصوص تحريفاً يوصل إلى الكفر، ومنهم من لا يصل إلى هذه المرحلة، بل يأتي مثلاً لبعض المسائل فيما يتعلق باسترقاق الأسرى، ونحن في زمن حقوق الإنسان، فيقول: لو أننا وافقنا على أن الدين يسمح بالأسرى وأن يكون هناك رق، وأن يكون هناك بيع وشراء لهم؛ فإن هذا سيحرجنا عند زملائنا أو أصدقائنا الغربيين، وحينئذ يأتي هؤلاء العصريون ويتأولون هذه النصوص ويحرفونها، فمثلاً يقولون: إن الشريعة الإسلامية أصلاً لا تقر الرق، ولا تقر الأسر، لكن الشريعة الإسلامية لما كانت في وسط يقر هذه الأشياء وافقت عليه، لكن الآن نحن في وسط لا يعترف بها، وبناء على هذا فإن الشريعة لا تعترف بها أيضاً.

كذلك موضوع المرأة، وهو من الموضوعات العصرية؛ لأن العالم الغربي هو العالم المسيطر إعلامياً وعسكرياً وثقافياً، فصار كثير من الناس يؤول النصوص الشرعية ويحاول أن يأتي بفتاوى وأفكار توافق الوضع العالمي.

نقول: حتى لو كان العالم الغربي هو العالم المهيمن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً فلا يعني هذا أني أبدل ديني من أجله، ديني كما هو ومنهجي كما هو لا يمكن أن أغيره، ولا يمكن أن أبدله حتى يوافق ما عندهم، وهذا الوضع العالمي يمكن أن أغير فيه ما أستطيع، أما محاولة تغيير النصوص فلا، فمثلاً من قضايا الواقع الصعبة الآن: قضية المرأة، أنتم تعرفون مذهب الغربيين في المرأة، المرأة عند الغربيين تعطى الحرية المطلقة، وأنه يمكن للمرأة أن تكون حاكمة، وأن تكون قائدة جيش، والآن وزيرة الدفاع الفرنسي امرأة، والمتحدثة الرسمية باسم البنتاجون امرأة، وهناك نساء طيارات يشتغلن في الجيش، ونساء يشتغلن في المدرعات في الجيش الأمريكي، ونساء يشتغلن سواء صف أول أو صف ثان فيما يتعلق بالحروب العسكرية سواء في المارينز أو في البحرية الأمريكية أو في غيرها، مذهب الغربيين في المرأة مذهب انفلاتي تام، المرأة عندهم لها الحرية المطلقة، ولهذا ينتشر عندهم مثلاً دور البغاء وأفلام الجنس وقنوات الجنس.

والغربيون تجاوزوا هذه المرحلة إلى تشريع الشذوذ الجنسي وتشريع الانحراف، فيجوزون مثلاً في قوانينهم: إباحة أن يتزوج الرجل رجلاً، يعني: الأسرة صورتها أن يتزوج رجل امرأة، ويكون هناك أولاد بينهما، لكن عندهم من الصور الجديدة أنه يصح للرجل أن يتزوج مخنثاً من المخنثين ويعيش معه، ويعتبرون هذه أسرة لها حقوق الأسرة، ويمنحها النظام كامل صلاحيات الأسرة المعروفة، وإذا تبنوا طفلاً بينهما فإنه يكون منسوباً إليهما جميعاً، بل في بعض الدول الغربية وصل بموضوع المرأة عندهم إلى درجة أنهم ينسبون الأطفال للنساء ولا ينسبونهم للرجال، ففي السويد يصبح الطفل ابن فلانة لا يصبح ابن فلان، ولو حصلت مشكلة بين شخص وبين زوجته فلها أن تطرده من البيت ويعيش في الشارع، وتذهب إلى الأحوال المدنية وتنسب الأولاد إليها وانتهى الموضوع، يصير الرجل بغير أولاد ولا بيت! فهذا الوضع العالمي أثر على كثير من المنتسبين إلى الإسلام، فجاءوا يقولون: إن المرأة يجوز لها أن تكون رئيسة دولة، وماذا في هذا؟ وأن المرأة يجوز أن تكون قاضية، وأن المرأة يجوز أن تتولى كافة المناصب في البلاد الإسلامية، مع أن الحديث في صحيح البخاري نص صريح في الموضوع لا يوجد فيه إشكال: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وكلمة (قوم) تطلق على المجموعة القليلة والكبيرة، ولا خير فيهم إذا ولوا أمرهم امرأة؛ لأن النساء أضعف من الرجال في طبيعة الحال، ومع هذا قالوا: هذا الحديث غير صحيح، يعني: أبطلوا دلالة الحديث في صحيح البخاري؛ بسبب الضغط العصري الموجود، ولهذا يا إخواني! المدرسة العصرية مدرسة كبيرة، والآراء الموجودة فيها آراء متباينة بعضها تصل إلى الكفر، وبعضها تصل إلى حد البدعة، وبعضها شذوذات في الأقوال، وبعضها اجتهادات، يعني: كل رأي يقوم بحسب الرأي الذي قاله وحسب صاحبه وحسب الدليل الذي استدل به، لكن أصولهم عموماً ترجع إلى أهل الكلام والمعتزلة بشكل خاص، الذين يعظمون العقل ويؤولون النصوص الشرعية من أجله، وبسبب أيضاً ضغط الواقع الذي أثر عليهم تأثيراً كبيراً، لكن هذه المدرسة العقلية أو المدرسة العصرية هي مدرسة فوضوية، ليست لها أصول محددة منضبطة يمكن للإنسان أن يناقشها شرعاً وعقلاً، وإنما هي أمور نفس

<<  <  ج: ص:  >  >>