للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قاعدتان مهمتان في التعامل مع نصوص الوعيد]

يجب أن تجمع النصوص الشرعية في باب الوعيد في مكان واحد فباب الوعيد فيه قاعدتان مهمتان لابد من الاهتمام بها: القاعدة الأولى: هي جمعها في مكان واحد، وفهم النصوص بعضها على ضوء بعض، وألا ينفرد الإنسان بنص ويبني عليه حكماً شرعياً ويلغي بقية النصوص؛ فإن قبول هذا الدليل ليس بأولى من قبول ما ألغاه، وهذه قاعدة من القواعد الشرعية، فإن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما؛ لأن مصدر الدليلين هو الله سبحانه وتعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم.

القاعدة الثانية: أن ألفاظ الوعد والوعيد لها شروط وموانع، يعني: لا تتحقق إلا بوجود شروطها وانتفاء موانع الوعد والوعيد، فليس كل إنسان حصل منه هذا الفعل فإنه يطبق عليه ما ورد في الحديث، فمثلاً: لو أن إنساناً وجد إنساناً يغتاب آخر فقال: هذا لا يدخل الجنة، وسيكون من أهل النار، وطبق عليه الحديث وحكم عليه أنه من أهل النار، نقول: لا يا أخي لا تستعجل، ربما يكون هناك مانع من الموانع، ربما يكون عنده حسنات تكفر هذه المعصية؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]، وربما تكون عنده توبة صادقة، وربما يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أو يشفع له الشافعون، هناك موانع تسمى عند العلماء: موانع إنفاذ الوعيد، وكما أن هناك شروطاً يجب أن تكون في المكلف حتى يقع عليه هذا الوعيد، فكذلك الحال في الوعد، فليس كل وعد يحقق، فلو أن شخصاً قال: لقد دعوت الله أن يدخلني الجنة، والله عز وجل يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦]، فسأدخل الجنة قطعاً، وحكم بهذا، وجزم بأنه من أهل الجنة بهذه الطريقة، نقول: هذه الطريقة خاطئة في فهم نصوص الوعد، فإن الدعاء وما يترتب عليه من الوعود الشرعية لابد من وجود شروط فيه، فليس كل دعاء مقبولاً، وربما يظن الإنسان أن الشروط توافرت ولم تتوافر في الحقيقة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧]، ولهذا قال ابن عمر: لو أنني علمت أن صلاة واحدة تقبلت مني لتمنيت الموت بعدها؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].

فينبغي معرفة هاتين القاعدتين في باب الوعد والوعيد؛ فإن كثيراً من الناس لا يفقهها ولا يفهمها على أصولها الصحيحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>