للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الجهاد في سبيل الله مع الوقوع في المعاصي والبدع]

السؤال

يقول أحد الإخوة: جمعني مجلس مع أحد الأشخاص فقال: إنه لا يسوغ الجهاد مع أي شعب مسلم؛ حتى يتخلص هذا الشعب من جميع الشرك الأصغر والبدع والمعاصي، وإنك لو جاهدت معهم وهم على هذه الحال فلن تنتصروا على الأعداء، ويستدل على ذلك بأن الصحابة هزموا في غزوة أحد، وكذلك هزموا في بداية غزوة حنين، علماً بأن المعصية لم تصل إلى حد الشرك والبدع، ويستدل بقوله تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧]، ولابد من نصر الله بتطهير المجتمع من البدع والمعاصي، فهل هذا القول صحيح؟

الجواب

لا شك أن هذا القول ليس بصحيح بشكل عام، فهذا الشخص يتصور أن هذه الشعيرة من شعائر الإسلام وهي الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن تقوم إلا إذا تصفى المسلمون من جميع أنواع الذنوب والمعاصي، وهذا غير ممكن، والواقع في تاريخ المسلمين أنهم جاهدوا أعداءهم مع وجود الذنوب والمعاصي، والذنوب والمعاصي تصحح عن طريق الجهاد أيضاً، فإن الجهاد من أعظم العبادات، ولا يمكن أن يشارك إنسان في الجهاد إلا وهو يريد وجه الله عز وجل والدار الآخرة، وهذا الشعور بإذن الله تعالى يذهب بقية الذنوب والمعاصي، فأنت عندما تجتمع مع ألف شخص، هؤلاء الألف يريدون الجهاد في سبيل الله، وقد كانوا يعملون الذنوب والمعاصي، هذه الإرادة التي هي إرادة الجهاد والمشاركة في العمل القتالي، وتعريض النفس للخطر والقتل، هذه تدل على إيمان عظيم في قلب صاحبه، وبناء على هذا فإن هذا الإيمان العظيم في قلب صاحبه سيكون بإذن الله سبباً من أسباب تكفير ذنوبه ومعاصيه التي كان يعملها، ولهذا كان أبو محجن الثقفي كما تعلمون يشرب الخمر وسجنه سعد، ثم بعد ذلك لما رأى الجهاد اشتاق إليه وخرج وقاتل في سبيل الله، وأثنى عليه الصحابة، ولم يمنعوه من الجهاد، ثم إن الجهاد في سبيل الله عمل من أعمال الإسلام، لو كانت أعمال الإسلام لا يفعلها الإنسان إلا إذا كان صافياً نقياً من الذنوب، فيمكن أن أقول: لماذا أصلي وأنا عندي ذنوب؟ يعني: لو أن الزاني قال: أنا لماذا أصلي وأنا عندي ذنوب؟ أو لماذا أصوم؟ أو لماذا أعمل بقية أعمال الإسلام؟ سبحان الله! يعني: أنت بدل أن تعالج المشكلة تزيد المشكلة تترك الصلاة! يا أخي! حتى لو كان عندك تقصير فاعمل بأعمال الإسلام: انصر المظلوم، تصدق، ارفع يديك في كل يوم واسأل ربك أن يقيك الله عز وجل شر هذا الذنب، وتب إلى الله عز وجل منه، هكذا ينبغي للإنسان أن يتعامل مع الذنوب، أما أن يتعامل الإنسان مع الذنوب بحيث يجره الشيطان من ذنب إلى ذنب آخر حتى يوصله إلى الكفر، فهذه من أخطر حيل الشيطان وخطواته.

ولهذا نحن نطالب الأمة جميعاً باليقظة، ونطالبها بالجهاد في سبيل الله، وبالاستعداد، وبتحديث النفس بالجهاد في سبيل الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)، على الأقل يحدث الإنسان نفسه بالغزو، ويتمنى ويشتاق أن يشارك في صفوف المسلمين ضد أعدائهم، ويتمنى أن يقاتلهم في سبيل الله وأن يقتل شهيداً، وعندما يرى إنساناً قتل شهيداً يتمنى أنه ممن قتل شهيداً؛ حتى يدخل الجنة التي عرضها السماوات والأرض.

يجب علاج الأمة من الذنوب والمعاصي وأعظم علاجها هو الجهاد في سبيل الله، يعني: لا ننتظر ونتوقف عن الجهاد حتى نصفي الأمة من البدع وحتى نصفيها من الشرك الأصغر، هي مسلمة حتى لو كان عندها شرك أصغر، هي مسلمة حتى لو كان عندها بدع، ما دام لم تصل إلى الشرك الأكبر، لكن لو وصلت إلى الشرك الأكبر مثل: الشيعة فيجب أن نقف هنا ونقول: أولاً: أسلموا، ثم بعد ذلك جاهدوا، أما أن تجاهد على الكفر ما هي الفائدة؟ إذاً: إذا كانوا مسلمين وعندهم تقصير فيجب أن نشجعهم على الجهاد في سبيل الله، وأنه عمل من أعمال الإسلام، فلو أن إنساناً زان أو شارب للخمر رأيته يصلي ركعتين فهل ستقول له: لماذا تصلي ركعتين وأنت شارب خمر؟! سبحان الله! هذه شعبة من شعب الإسلام، وهذا خطأ أخطأه، كذلك الزاني لو تصدق هل تقول: لماذا تتصدق وأنت زانٍ؟! سبحان الله! هذا التصدق يكفر عن نفسه الذنب، وأيضاً حتى لو كان شارباً للخمر وجاهد، فهل نقول له: لماذا تجاهد؟ وربما يقول بعضهم: إننا سنهزم، نقول: الهزيمة لها أسباب كثيرة، والمعصية سبب من الأسباب، وهذا السبب قد يحصل وقد لا يحصل، فقد تكون الأمة فيها ذنوب ومعاص وينصرها الله سبحانه وتعالى، هل تتصورن الجيش الذي قاده صلاح الدين الأيوبي وحرروا بيت المقدس كانوا كلهم من الصالحين؟ هل هم كلهم من الأتقياء الأبرار بدون استثناء؟! لا، أنا أجزم بأنهم ليسوا كلهم، وليس كل فرد فيهم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يذهب للغزو يذهب ومعه بعض المنافقين، ففي غزوة تبوك مثلاً عندما خرج بدءوا يعتذرون، وشاركوا معه في غزوة بني المصطلق، وشاركوا معه في بعض الغزوات، صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يحرص عليهم، لكن لم يكن يمنعهم من الغزو، ما كان يقل

<<  <  ج: ص:  >  >>