للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[توحيد الألوهية أول واجب على المكلف]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فأول واجب على المكلف بإجماع أهل السنة والجماعة هو توحيد الألوهية، والأدلة على ذلك كثيرة، ومن أصرح الأدلة وأوضحها الحديث الثابت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرسله إلى اليمن معلماً لهم قال له: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وجاء في رواية أخرى: (فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله)، وهذه الرواية في البخاري إلى آخر الحديث.

فهذا الحديث صريح في أن أول واجب على المكلف هو توحيد الألوهية، والسبب في هذا هو أن توحيد الألوهية شامل لمعرفة وجود الله عز وجل ولتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات، ولهذا يقول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩].

قال البخاري: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، والعلم مقيد بلا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله هو توحيد الألوهية، فتوحيد الألوهية هو أول واجب، وهو الذي جاءت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب، وهو الذي بدأ به كل رسول بعثه الله عز وجل إلى قومه أن: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩]، ويقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، وتوحيد الألوهية معناه: إفراد الله بالعبادة.

إذاً: أول واجب على المكلف أن يفرد الله عز وجل بالعبادة، فلا يعبد إلا الله سبحانه وتعالى ولا يصرف أي عمل من الأعمال التي هي من العبادات إلا لله سبحانه وتعالى، وهذا هو الإيمان المنجي، والاكتفاء بتوحيد الربوبية ليس منجياً عند الله سبحانه وتعالى.

ولو أن إنساناً اعتقد أن الله الخالق الرازق المحيي المميت واكتفى بهذا، ولم يفرد العبادة لله عز وجل، بل عبد الله وعبد غيره، فإن هذا لا يكون كافياً، بل يكون من المشركين.

ولهذا فإن أهل الشرك عندهم نوع من الإيمان، فكانوا يعترفون بأن الله موجود، وأنه الخالق الرازق المحيي المميت، ومع أن هذا من الإيمان إلا أنه لم يكن كافياً ومنحنياً، بل لابد من إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، يقول الله عز وجل: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦]، فأثبت لهم هنا نوعاً من الإيمان، لكنه ليس كافياً، قال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: إذا سألتهم من خلق السماوات؟ قالوا: الله، ومن خلق الأرض؟ قالوا: الله، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، يعبدون غير الله سبحانه وتعالى.

ولهذا كان حقيقة شرك المشركين هي عبادة غير الله سبحانه وتعالى مع الإقرار لله عز وجل بالربوبية، يقول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥]، فهم يعرفون أن الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض، وهم يعرفون أن الله عز وجل هو المدبر وحده، ولهذا فقد كانوا يعظمون البيت والأشهر الحرم، ويمنعون القتال فيها، وكانوا يحلفون بالله، بل إن قوم عاد الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى أخبر الله عز وجل أنهم تقاسموا بالله، يعني: تحالفوا بالله، فهذا يدل على أنهم يعرفون الله عز وجل، وإلا ما حلفوا به، بل إنهم يزيدون على المعرفة بالله أنهم يعظمون الله، لكن هذا التعظيم لم يكن كافياً.

إذاً: حقيقة الإسلام هو الاستسلام لله في العبادة، فمن فهم هذه القضية فهم الإسلام دين الله سبحانه وتعالى، وتعتبر هذه القضية من أصول الدين التي لا يقبل للإنسان عذر في جهلها، وأنه لا تكون نجاة عند الله إلا بإفراد الله بالعبادة وإثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم وجود النواقض التي تنقض هذه الأمور.

<<  <  ج: ص:  >  >>