للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معرفة منازل العلم]

الأمر الثاني: ينبغي على طالب العلم أن يعرف منازل العلم، فإن للعلم منازل تحدث عنها أهل العلم، ذكرها سفيان الثوري رحمه الله، وذكرها أيضاً عبد الله بن المبارك، وذكرها ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة، هذا الكتاب العظيم تحدث فيه عن مسألتين: المسألة الأولى: أهمية العلم وكيفية تحقيق العلم.

المسألة الثانية: مسألة الولاية وكيف يحصلها الإنسان ويكون ولياً عند الله سبحانه وتعالى.

وقد ذكر أهل العلم أن منازل العلم مجموعة فيما يلي: أولاً: النية.

ثانياً: الاستماع.

ثالثاً: الفهم.

رابعاً: الحفظ.

خامساً: العمل.

سادساً: النشر.

أولاً: النية، بأن يكون الإنسان مخلص النية لله سبحانه وتعالى.

ثانياً: الاستماع، ومعناه: حسن الإنصات، فإن الإنصات جزء أساسي من أجزاء الفهم، ولا يمكن للإنسان أن يفهم وأن يتأمل إلا إذا أنصت، ولهذا أمر الله عز وجل أن ينصت الإنسان للقرآن: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:٢٠٤]، والقرآن هو أساس العلم.

ثالثاً: الفهم، فإن الإنسان لا ينفعه العلم بدون فهم، فالعلم أساسه الفهم، وليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العلم الحقيقي العلم الذي يكون بالدراية والفهم وإدراك المسائل على صورتها الصحيحة، فإذا كان الإنسان كثير الرواية قيل عنه: راوي، لكنه إذا كان فاهماً للعلم فإنه يقال عنه: فقيه وعالم، والفقه: هو الفهم.

ولهذا جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) أي: يفهمه الدين، ويجعله من أهل الفقه والعلم.

ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أنتم اليوم في زمان كثير فيه الفقهاء قليل فيه الخطباء، وسيأتي زمان كثير فيه الخطباء قليل فيه الفقهاء.

وهو يشير بهذا إلى ذم هذا الزمان الذي يكثر فيه الخطباء الذين يتكلمون، لكنهم قد لا يكونون من الفقهاء الذين يدركون مسائل العلم وأصوله.

رابعاً: الحفظ، فالحفظ جزء أساسي من أجزاء العلم، والذي لا يحفظ العلم لا يمكن له أن يكون عالماً، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه العلم كما يعلم أصحابه القرآن أيضاً، كما جاء في حديث الاستخارة في صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه وأرضاه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن)، وهذا يدل على أهمية حفظ العلم، فالعلم بدون حفظ لا يمكن للإنسان أن يحصِّل منه شيئاً.

خامساً: العمل بالعلم، فإن العمل بالعلم من أعظم الواجبات، وهو المقصود أصلاً من تعلم العلم، ولهذا قال بعض السلف الصالح مثل سفيان بن عيينة: كنا نستعين على حفظ القرآن وعلى حفظ العلم بالعمل به.

فالعمل بالعلم من أعظم الأمور التي يحفظ الإنسان بها العلم.

ولهذا جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: ما سمعت بحديث إلا وعملت به ما سمع بحديث من الأحاديث إلا وقد عمل به، وجمع مسنداً عظيماً وكبيراً يصل إلى الأربعين ألف حديث ما يضع فيه حديثاً حتى يعمل به، وهذا يدل على حرصهم على العمل.

ولهذا يقول سفيان: رويت عن علي رضي الله عنه أنه قال: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل.

وألفَّ الخطيب البغدادي رحمه الله كتاباً سماه: اقتضاء العلم العمل، أي: أن العلم يقتضي أن يعمل الإنسان، وأما العلم بدون عمل فهو حجة على الإنسان -والعياذ بالله-، وسيحاسب الإنسان على علمه إذا لم يكن يعمل به؛ لأنه من أول المسائل التي يسأل عنها الإنسان عن علمه ماذا عمل به.

سادساً: النشر، والمقصود بالنشر: الدعوة إلى العلم ونصيحة الناس، وتعليم هذا العلم الذي تعلمه، فتعليم العلم له أهمية كبرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>