للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى توحيد العبادة]

توحيد العبادة وتوحيد الألوهية بمعنى واحد، واشتقاق توحيد الألوهية مأخوذ من الإله، والإله هو المعبود، والتأله معناه التعبد، ولهذا يقولون: فلان يتأله لله عز وجل بمعنى يتعبد، والعبادة التي هي مدلول الألوهية معناها: الخضوع والذل، وفي لغة العرب يقولون: طريق معبد، يعني: ذللته الأقدام بكثرة السير عليه، وسمي العبد عبداً؛ لأنه لا يملك نفسه بل هو مسلم أمره لسيده؛ ولهذا يباع ويشترى.

وتوحيد العبادة معناه: أن يحقق الإنسان لله عز وجل كمال الذل والخضوع مع كمال المحبة.

هنالك أنواع من الشرك تتعلق ببعض إرادات الإنسان، ونجد أن جزءاً من إرادات الإنسان طبيعية فكيف نميز بين الأعمال الطبيعية في إرادة الإنسان وبين الأعمال التي تعتبر من العبادة؟ فمثلاً: الحب، والكره، والخوف، والاعتماد والتوكل، فإن منها جزءاً طبيعياً مثل: محبة الإنسان لطفله، ومحبة الإنسان لزوجته، ومحبة الإنسان لأمه وأبيه، ومحبة الإنسان لبلده، والمحبة الطبيعية التي يعيش بها الإنسان في المجتمع.

هناك نوع من المحبة عبادة: فلو أن شخصاً -مثلاً- قال لشخص: إذا أحببت ابنك فأنت مشرك؛ لأنك جعلت مع الله شريكاً وهو ابنك هذا! فيكون فهمه باطلاً، ولهذا لابد أن نميز بين المحبة الطبيعية والخوف الطبيعي والإرادة الطبيعية والتوكل أو الاعتماد الطبيعي، والمحبة والخوف والاعتماد التعبدي، والفارق بينهما: أن النوع الذي هو عبادة يكون فيه ذل للمحبوب وخضوع له مع محبة.

فمحبة المسلم لأحد الصالحين، فينشرح صدره له؛ لأنه يراه يتعبد لله عز وجل، فهذه محبة طبيعية وله أجر عليها، ويكون هذا النوع من التعبد لله عز وجل.

ومحبة الصوفية لأوليائهم، ويعظمونهم إلى درجة أن أحدهم يتخيل أن الولي معه في بيته وفي كل مكان، ولا يمكن أن يخفى عن الولي شيء، ويسجد له ويخضع له ويخاف منه، ويخاف على أولاده من الولي، ويخاف على حياته، ويشعر أن حياته بيد هذا الولي، ويخاف على ماله ورزقه، ويخاف على صحته؛ فهذه المحبة محبة عبادة لغير الله، وهذا هو التأله والتعبد لغير الله سبحانه وتعالى.

إذاً: التعبد أو العبادة معناهما: كمال الذل وكمال الخضوع مع كمال المحبة؛ لأن الذل والخضوع قد يكونان لمن يكرهه، كذل وخضوع الناس لطاغوت من الطواغيت، وهذا الذل والخضوع واقعان مع كره في القلب، فلا يعتبر ذلك عبادة، فالمحبة بدون ذل وخضوع لا تعتبر عبادة مثل محبة الإنسان لأولاده، والمحبة العادية تكون عبادة إذا كان فيها ذل وخضوع وتعلق بغير الله سبحانه وتعالى، فهذا هو حقيقة توحيد العبادة الذي سبق أن أشرنا إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>