للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستدلال بربوبية الله تعالى على ألوهيته]

إن العقل هو قانون منضبط، وهو من خلق الله عز وجل، كما أن الشرع من أمره سبحانه وتعالى، ويمكن أن نشير في الاستدلال العقلي على توحيد الألوهية إلى نوعين: النوع الأول: هو الاستدلال بربوبية الله عز وجل على ألوهيته تعالى، ومعنى ذلك: أن الله عز وجل يذكر الأدلة على أنه هو الإله وحده لا شريك له، وأنه هو الرب، وهو الخالق، وهو المدبر، وهو المحيي والمميت، وهو الذي بيده تصريف كل شيء، فمن كان تصريف كل شيء بيده فإنه لا شك أنه هو الأولى بالعبادة، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١]، هذه الآية للاستدلال بالربوبية على الألوهية، أما الألوهية فهي في قوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١]، ثم بين الدليل المقنع فقال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١]، ثم ساق جملاً أخرى من توحيد الربوبية: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:٢٢]، إلى آخر الآيات.

فهذا النوع من الاستدلال كثير في القرآن، ويقول الله عز وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:٩١] فقوله: ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ)) يعني: ليس مع الله إله، وقد سبق أن أشرنا إلى أن الإله هو المعبود، والمقصود هنا الاستدلال على كون الله عز وجل هو المعبود وحده وبطلان عبادة ما عداه.

وقوله: ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ)) لأنه لو كان معه إله افتراضاً وجدلاً لكان لهذا الإله خلق وفعل، ولو كان له خلق وفعل ولكل إله إرادة مستقلة ((إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ)) أو ((ولَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) يعني: انتصر بعضهم على بعض، وهذا دليل صريح في هذه المسألة؛ ولهذا كل آية تأتي في تقرير توحيد الألوهية، ثم يأتي بعدها إسناد ذلك إلى الربوبية، فهي دليل على هذا المطلب، يقول الله عز وجل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢].

هذه الآية يقررها أهل الكلام على أنها جاءت لإثبات دليل التمانع، وهى في الحقيقة جاءت لإثبات توحيد الله عز وجل في ألوهيته، فقوله: ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ)) آلهة جمع إله، والإله سبق أن بينا أن المقصود به المعبود، وهذا أمر متفق عليه في اللغة، قال: ((لَفَسَدَتَا)) والفساد إنما يكون بعد الوجود.

وأما دليل التمانع عند أهل الكلام فإنه يقتضي عدم الوجود، ومعنى الآية لو افترضنا جدلاً أن هناك إلهاً صحيحاً مع الله عز وجل فإن العالم لابد أن يفسد؛ لأن كل إله سيأمر بأمر والإله الآخر سيأمر بأمر آخر، وحينئذ تتنازع هذه الأوامر في حياة الناس، وتفسد شئونهم حينئذ.

وما يشاهده الإنسان من استقامة أمر العالم وانتظامه، دليل صريح على أن إله العالم ومدبر شئونه إله واحد وهو الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>