للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب الإيمان بالجنة والنار وأنهما موجودتان الآن]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والنار يصلاها الشقي بحكمة وكذا التقي إلى الجنان سيدخل].

النار والجنة مخلوقتان موجودتان الآن، والنار والجنة ذكْرها كثير في القرآن والسنة، والإيمان بها أساس في الاعتقاد؛ ولهذا جاء في حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل).

يعني: الإيمان بوجود الجنة والنار يعتبر من أصول الدين، ويجب أن يؤمن الإنسان بكل ما ورد من القرآن والسنة من أوصاف الجنة والنار، ومن ذلك أنهما مخلوقتان وموجودتان الآن؛ ولهذا يقول الله عز وجل في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣]، ويقول في النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤]، وهذا يدل على أنهما معدتان وموجودتان سابقاً؛ ولهذا جاء في حديث الكسوف المشهور من رواية عائشة رضي الله عنها ومن رواية ابن عباس، ومن رواية ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى وهو يصلي الكسوف الجنة والنار رأي العين)، وهذا يدل على أنهما موجودتان الآن، فمن قال: إن هذه أمثال مضروبة فهذا خطأ كبير؛ لأن نصوص الكتاب والسنة بينت أن الله عز وجل خلق الجنة والنار قديماً، وأن الإنسان إذا مات فإنه يرى مقعده من الجنة أو مقعده من النار، وهذا يدل على أنهما موجودتان الآن، كما ورد في حديث البراء بن عازب.

وأيضاً أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر معلقة بالعرش)، وهذا يدل على أن الجنة موجودة الآن، وأن الإنسان إذا مات فإن روحه تنعم فيها إن كان من أهل الإيمان، أو تعذب في النار إن كان من أهل العصيان.

وقد وردت أوصاف كثيرة في القرآن والسنة للجنة، فورد أنها درجات، كما أن النار دركات، وورد أن أعلى الجنة الفردوس وأن سقفها هو عرش الرحمن، وورد أن منازل الشهداء مائة منزلة، وأن أصحاب الغرف يتراءون المنازل كما يتراءى أحدنا الكوكب الدري الغابر في الأفق، وهذا يدل على أن الجنة منازل عالية، وأن الفروق بينها كبيرة، وأن الإنسان يدخل هذه الجنة أولاً برحمة الله عز وجل وبفضله، وثانياً بما قدمه من العمل الصالح، ومنها: ترك الذنوب والمعاصي.

والنار كذلك دركات، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، والنار والجنة لا تفنيان، بل هما باقيتان أبديتان لا تزولان أبداً، وأبدية الجنة والنار مجمع عليهما؛ ولهذا جاء في وصف الجنة وفي وصف النار الخلود الأبدي، والتأبيد هنا تأكيد للخلود، فإن الخلود قد يعنى به التأبيد، وقد يعنى به أحياناً طول المكث، كما ورد في آية القاتل المتعمد: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:٩٣]، فقوله: (خالداً فيها) ليس الخلود هنا بمعنى الخلود الأبدي، وإنما طول المكث، وقد حملها بعض أهل العلم على المستحل للقتل، أما إذا قتل مسلم مسلماً وهو ليس مستحلاً للقتل، فإنه لا يكفر بذلك؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:١٧٨]، فهذا يدل على أن له وصف الأخوة الدينية التي لا تزول إلا بالكفر، وكون الدية تقبل في مثل هذه الحالة، يدل على أن القاتل ليس بكافر، إذ لو كان كافراً لما كانت الدية مقبولة، بل يجب أن يقتل، وقد ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً عظيماً في وصف الجنة سماه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) يمكن أن يراجع، وألف أيضاً ابن رجب الحنبلي رحمه الله، كتاباً عظيماً في وصف النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>