للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وأدلة ذلك]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولكل حي عاقل في قبره عمل يقارنه هناك ويسأل].

جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الميت إذا مات اتبعه أهله وماله وعمله، فإذا دفن رجع اثنان وبقي واحد، رجع المال والأهل، وبقي العمل)، وهذا حديث صحيح.

وأيضاً الميت يسأل في قبره، وقد جاء عن السؤال قوله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧]، وأيضاً جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يفتنون في قبورهم، وأنهم يسألون، ويستثنى من ذلك الشهيد، فإن الشهيد لا يفتن في قبره، ولهذا جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى ببارقة السيوف له فتنة، ولو كان أحد ينجو من هذه الفتنة لنجا منها سعد بن معاذ) وهو الصحابي الشهيد كما تعلمون، فكل الناس يسألون في قبورهم ويمتحنون إلا ما ورد في النصوص استثناؤه، وسؤالهم يكون عن ثلاثة أمور: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهذا ورد في حديث البراء بن عازب الطويل في صفة حال الموت، ودخول القبر، فكل الناس يسألون في قبورهم، وتكون لهم حياة خاصة تسمى الحياة البرزخية، ومعنى البرزخ: هو الأمر المتوسط بين أمرين، وسميت حياة برزخية؛ لأنها متوسطة بين الدنيا والآخرة، وهذه الحياة البرزخية حياة خاصة ليست مثل الحياة الدنيا، وليست مثل الآخرة، وقد ذكر الحافظ ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية فائدة لطيفة: وهي أن علاقة الروح بالجسد تتميز في البرزخ عنها في الدنيا، ففي الدنيا الأصل هو الجسد والروح تابعة له، وأما في البرزخ فالعكس فالروح هي الأصل والجسد تابع لها، ونعيم القبر وعذاب القبر واقعان على الروح والجسد.

والدليل على ثبوت عذاب القبر قول الله عز وجل: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]، فإن هذه الآية ورد فيها نوعان من العذاب: النوع الأول: وارد في قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٦].

والنوع الثاني: في قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]، وقد بين أن الساعة هي الفارق بين العذاب الأول والثاني، فقوله: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) هذا قبل قيام الساعة، ثم قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) وهذا يدل على أن العذاب الثاني بعد قيام الساعة، وهو الذي يكون في الآخرة، فدل هذا على أن العذاب الأول يكون في القبر.

وقد دلت نصوص السنة وهي كثيرة على عذاب القبر، وأن الناس يمتحنون في قبورهم، وقد جاء أيضاً أن الذي يسأله ملكان عظيمان شديدان، يقال لأحدهما: منكر، وللآخر نكير، وهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأنهما يجلسانه ويسألانه هذه الأسئلة التي سبق أن أشرنا إليها، فأما أهل الإيمان فإنهم يثبتون، وأما أهل الفسق والطغيان والكفر فإنهم لا يستطيعون الجواب؛ ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنه يقول: (هاه هاه لا أدري).

وقوله: (والنار يصلاها الشقي بحكمة) فقوله: (بحكمة) إشارة إلى صفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهي الحكمة، فإن الله هو الحكيم وهو الحكم سبحانه وتعالى.

والحكمة متعلقة بأفعاله سبحانه وتعالى، وأفعاله مبنية على الحكم؛ ولهذا وجد التعليل لكثير من الأفعال، وأفعاله هي التي بلغت الغاية في الحسن، ومن ذلك الحكمة، فتعذيب الله عز وجل لهؤلاء سواء في القبر أو في الآخرة بحكمته سبحانه وتعالى، قد يعلمها الإنسان وقد يجهلها البعض.

<<  <  ج: ص:  >  >>